Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 110-110)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإتفاق على الحق ، والدعوة إلى الخير ، و { كُنْتُمْ } من كان التامة ، والمعنى وجدتم وخلقتم خير أمة ، أو الناقصة والمعنى كنتم في علم الله خير أمة ، أو في الأمم الذين كانوا قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة و { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } صفة لأمة ، واللام متعلقة بـ { أُخْرِجَتْ } ، أي : أظهرت لهم حتى تميزت وعرفت ، وفصل بينها وبين غيرها . ثم بين وجه الخيرية بما لم يحصل مجموعه لغيرهم بقوله : { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } فبهذه الصفات فضلوا على غيرهم ممن قال تعالى فيهم : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المائدة : 79 ] . { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [ النساء : 150 ] . قال أبو السعود : وتؤمنون بالله أي : إيماناً متعلقاً بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول وكتاب وحساب وجزاء . وإنما لم يصرح به تفصيلاً لظهورِ أنه الذي يؤمن به المؤمنون ، وللإيذان بأنه هو الإيمان بالله تعالى حقيقة ، وأن ما خلا عن شيء من ذلك كإيمان أهل الكتاب ليس من الإيمان به تعالى في شيء . قال تعالى : { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً } [ النساء : 150 - 151 ] وإنما أخر ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع تقدمه عليهما وجوداً ورتبة ؛ لأن دلالتهما على خيريتهم للناس أظهر من دلالته عليها وليقترن ما بعده - انتهى . روى ابن جرير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى من الناس رِعَةً ، فقرأ هذه الآية { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ثم قال : من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [ البقرة : 143 ] ، أي : خياراً ، { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] ، أي : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد روي في معنى الآية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث وافرة ، منها ما أخرجه الإمام أحمد والترمذيّ والحاكم عن معاوية بن حيدة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل " قال ابن كثير : وهو حديث مشهور ، وقد حسنه الترمذيّ ، ويروى من حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد ونحوه . وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه أشرف خلق الله ، وأكرم الرسل على الله ، وبعثه الله بشرع كامل عظيم ، لم يُعْطَهُ نبيّ قبله ، ولا رسول من الرسل ، فالعمل على منهاجه وسبيله ، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه . وقد ذكر الحافظ ابن كثير ههنا حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، وساق طرقه ومخرجيه فأجاد رحمه الله تعالى . { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } أي : بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي : مما هم عليه ، إشارة إلى تسفيه أحلامهم في وقوفهم مع ما منعهم عن الإيمان من العوض القليل الفاني والرياسة التافهة ، وتركهم الغنى الدائم ، والعز الباهر . ولما كان هذا ربما أوهم أنه لم يؤمن منهم أحد قال مستأنفاً : { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي : بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ولكنهم قليل { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } ولما كانت مخالفة الأكثر قاصمة ، خفف سبحانه عن أوليائه بقوله : { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ … } .