Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 111-111)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } أي : بألسنتهم لا يبالي به من طعن وتهديد { وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ } أي : يوماً من الأيام { يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ } يعني : منهزمين مخذولين { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } يعني لا يكون لهم النصر عليكم ، بل تنصرون عليهم ، وقد صدق الله ومن أصدق من الله قيلاً ؟ لم يقاتلوا في موطن إلا كانوا كذلك . قال ابن كثير : فإنهم يوم خيبر أذلهم الله ، وأرغم أنوفهم ، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة : بني قيقناع ، وبني النضير ، وبني قريظة ، كلهم أذلّهم الله . وكذلك النصارى بالشام ، كسرهم الصحابة في غير ما موطن وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين . ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم ، وهم كذلك ، ويحكم بملة الإسلام ، وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ولا يقبل إلا الإسلام - اهـ . لطائف قال الزمخشريّ : فإن قلت : هلا جزم المعطوف في قوله ثم { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } ؟ قلت : عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء ، كأنه قيل ثم أخبركم أنهم لا ينصرون . فإن قلت : فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى ؟ قلت : لو جزم لكان نفي النصر مقيداً بمقاتلتهم كتولية الأدبار ، وحين رفع كان نفي النصر وعداً مطلقاً كأنه قال : ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتف عنهم النصر والقوة لا ينهضون بعدها بجناح ، ولا يستقيم لهم أمر ، وكان كما أخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر . فإن قلت : فما الذي عطف عليه هذا الخبر ؟ قلت : جملة الشرط والجزاء . كأنه قيل : أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا . ثم أخبركم أنهم لا ينصرون . فإن قلت : فما معنى التراخي في ثم ؟ قلت : التراخي في المرتبة ، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار . قال الناصر بن المنير : وهذا من الترقي في الوعد عما هو أدنى إلى ما هو أعلى ، لأنهم وعدوا بتولية عدوهم الأدبار عند المقابلة ، ثم ترقى الوعد إلى ما هو أتم في النجاح من أن هؤلاء لا ينصرون مطلقاً ، ويزيد هذا الترقي بدخول ( ثم ) دون الواو . فإنها تستعار ههنا للتراخي في الرتبة لا في الوجود ، كأنه قال : ثم ههنا ما هو أعلى في الامتنان ، وأسمح في رتب الإحسان ، وهو أن هؤلاء قوم لا ينصرون البتة - والله أعلم .