Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 152-152)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } في قوله : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ } [ أل عمران : 120 ] { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } أي : تقتلونهم قتلاً كثيراً . من حسه إذا أبطل حسه { بِإِذْنِهِ } أي : بتيسيره وتوفيقه { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } أي : ضعفتم وتراخيتم بالميل إلى الغنيمة { وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } أي : في الإقامة بالمركز ، فقال أصحاب عبد الله : الغنيمة . أي : قوم ! الغنيمة . ظهر أصحابكم فما تنظرون ؟ قال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم ، فأقبلوا منهزمين - رواه الإمام أحمد . والأمر إما بمعنى الشأن والقصة ، وإما الذي يضادّه النهي أي : فيهم أمرتم به من عدم البراح { وَعَصَيْتُمْ } أي : أمر الرسول ألا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا ، فلا تعينونا - رواه البخاريّ { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } أي : من الظفر والغنيمة ، وانهزام العدوّ . روى البخاريّ عن البراء قال : لقينا المشركين يومئذ ، وأجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم جيشاً من الرماة ، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير وقال : لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم - بلفظ ما تقدم - ثم قال البراء : فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل ، رفعن عن سوقهن ، قد بدت خلاخلهن ، فأخذوا يقولون : الغنيمة الغنيمة … الحديث { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } أي : الغنيمة فترك المركز { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } فثبت فيه وهم الذين نالوا شرف الشهادة ، ومنهم أنس بن النضر الأسد المقدام ، القائل وقتئذ : اللهم ! إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به المشركون ، فتقدم بسيفه ، فلقي سعد بن معاذ ، فقال : أين يا سعد ؟ إني أجد ريح الجنة دون أُحُد ! فمضى فقُتِل ، فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم - هذا لفظ البخاريّ - وأخرجه مسلم بنحوه ، فرضى الله عنه وأرضاه وقدس روحه الزكية . { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } أي : كفكم عنهم حتى حالت الحال ، ودالت الدولة . وفيه من اللطف بالمسلمين ما لا يخفى { لِيَبْتَلِيَكُمْ } أي : ليجعل ذلك الصرف محنة عليكم لتتوبوا إلى الله ، وترجعوا إليه ، وتستغفروه فيما خالفتم فيه أمره ، وملتم إلى الغنيمة . ثم أعملهم أنه تعالى قد عفا عنهم بقوله : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } أي : تفضلاً عليكم لإيمانكم { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : في الأحوال كلها ، إما بالنصرة وإما بالابتلاء ، فإن الابتلاء فضل ولطف خفيّ ، ليتمرنوا بالصبر على الشدائد ، والثبات في المواطن ، ويتمكنوا في اليقين ، ويجعلوه ملكة لهم ، ويتحققوا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ولا يميلوا إلى الدنيا وزخرفها ، ولا يذهلوا عن الحق ، وليكون عقوبة عاجلة للبعض ، فيتمحصوا عن ذنوبهم ، وينالوا درجة الشهادة ، فيلقوا الله ظاهرين - أفاده القاشانيّ . لطائف الأولى : إذا في قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } إما شرط ، أوْ لا . وعلى الأول فجوابها إما محذوف أو مذكور . فتقديره ، على كونه محذوفاً : حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منعكم الله نصره - لدلالة صدر الآية عليه - أو صرتم فريقين ، لأن قوله تعالى : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ … } الخ يفيد فائدته ، ويؤدي معناه . وعلى كونه مذكوراً فهو إما وعصيتم والواو واصلة . وحكى هذا عن الكوفيين والفراء . قالوا : ونظيره قوله تعالى : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ } [ الصافات : 103 - 104 ] . والمعنى : ناديناه . وبعض من نصر هذا الوجه زعم أن من مذهب العرب إدخال الواو في جواب حتى إذا بدليل قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] . أي : فتحت . وأجابوا عما أُورد عليهم من لزوم تعليل الشيء بنفسه - إذ الفشل والتنازع معصية فكيف يكونان علة لها - بأن المراد من العصيان خروجهم عن ذلك المكان . ولا شك أن الفشل والتنازع هو الذي أوجب خروجهم عنه ، فلا لزوم . وإمّا قوله تعالى { صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } وكلمة { ثُمَّ } صلة - قاله أبو مسلم . وعلى الثاني أعني كونها ليست شرطاً فهي اسم وحتى حرف جر بمعنى إلى متعلقة بقوله تعالى : { صَدَقَكُمُ } باعتبار تضمنه لمعنى النصر كأنه قيل : لقد نصركم الله إلى وقت فشلكم وتنازعكم . الثانية : فائدة قوله تعالى : { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } التنبيه على عظم المعصية ، لأنهم لما شاهدوا أن الله تعالى أكرمهم بإنجاز الوعد ، كان من حقهم أن يمتنعوا عن المعصية ، فلما أقدموا عليها سلبوا ذلك الإكرام . الثالثة : ظاهر قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } . أنه تعالى عفا عنهم من غير توبة , لأنها لم تذكر , فدل على أنه تعالى قد يعفو عن أصحاب الكبائر . الرابعة : في قوله تعالى : { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } . دليل على أن صاحب الكبيرة مؤمن , فإن الذنب في الآية كان كبيرة - والله أعلم . ثم ذكرهم تعالى بحالهم وقت الفرار بقوله : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ … } .