Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 17-17)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلصَّابِرِينَ } أي : على البأساء والضراء وحين البأس { وَٱلصَّادِقِينَ } في إيمانهم وأقوالهم ونياتهم { وَٱلْقَانِتِينَ } المطيعين لله الخاضعين له { وَٱلْمُنْفِقِينَ } أموالهم في سبيل الله تعالى من الأرحام والقرابات ، وسد الخلات ، ومواساة ذوي الحاجات { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } جمع سحر بفتحتين وفتح وسكون وهو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر آخر الليل . وتسحّر إذا أكل في ذلك الوقت . قال الحراليّ : وفي إفهامه تهجدهم في الليل كما قال تعالى : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 17 - 18 ] وقال الرازي : واعلم أن المراد منه من يصلي بالليل ثم يتبعه بالاستغفار والدعاء ، لأن الإنسان لا يشتغل بالدعاء والاستغفار إلا أن يكون قد صلى قبل ذلك . فقوله : { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } يدل على أنهم كانوا قد صلوا بالليل - انتهى - وقد روى ابن أبي حاتم أن عبد الله بن عُمَر كان يصلي من الليل ، ثم يقول : يا نافع ! هل جاء السحر ؟ فإذا قال : نعم ، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح . وروى ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخر السحر سبعين مرة . وروى ابن جرير عن حاطب قال : سمعت رجلاً في السحر في ناحية المسجد وهو يقول : يا رب أمرتني فأطعتك ، وهذا السحر فاغفر لي . فنظرت فإذا هو ابن مسعود وثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل ربنا ، تبارك وتعالى ، كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فاستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له " ؟ وفي رواية لمسلم : " ثم يبسط يديه تبارك وتعالى ويقول : من يقرض غير عدوم ولا ظلوم " وفي رواية : " حتى ينفجر الفجر " . قال الحافظ ابن كثير : وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدارقطنيّ في ذلك جزءاً على حدة . فرواه من طرق متعددة . ويروى أن بعض الصالحين قال لابنه : يا بنيّ لا يكن الديك أحسن منك ، ينادي بالأسحار وأنت نائم ، والحكمة في تخصيص الأسحار كونه وقت غفلة الناس عن التعرض للنفحات الرحمانية ، والألطاف السبحانية ، وعند ذلك تكون العبادة أشق ، والنية خالصة ، والرغبة وافرة ، مع قربه تعالى وتقدس ، من عباده . قال السيوطيّ : في الآية فضيلة الاستغفار في السحر ، وأن هذا الوقت أفضل الأوقات . وقال الرازيّ : واعلم أن الاستغفار بالسحر له مزيد أثر في قوة الإيمان ، وفي كمال العبودية : الأول : أن وقت السحر يطلع نور الصبح بعد أن كانت الظلمة شاملة للكل ، وبسبب طلوع نور الصبح كان الأموات يصيرون أحياء ، فهناك وقت الجود العام ، والفيض التام ، فلا يبعد أن يكون عند طلوع صبح العالم الكبير ، يطلع صبح العالم الصغير ، وهو ظهور نور جلال الله تعالى في القلب . والثاني : أن وقت السحر أطيب أوقات النوام ، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة ، وأقبل على العبودية ، كانت الطاعة أكمل . والثالث : نقل عن ابن عباس : { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } يريد المصلين صلاة الصبح ، انتهى . وهذا الثالث أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم . وعليه ، فإنما سميت الصلاة استغفاراً لأنهم طلبوا بفعلها المغفرة . لطيفة قال الزمخشريّ : الواو المتوسطة بين الصفات ، للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها .