Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-18)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي : علم وأخبر أو قال أو بيّن أنه لا معبود حقيقيّ سوى ذاته العلية . وشهد بذلك { وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } بالإقرار ، وهذه مرتبة جليلة للعلماء ، لقرنهم في التوحيد بالملائكة المشرفين ، بعطفهم على اسم الله عز وجل { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } أي : بالعدل في أحكامه { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } كرره تأكيداً وليبني عليه قوله { ٱلْعَزِيزُ } فلا يُرام جنابه عظمة { ٱلْحَكِيمُ } فلا يصدر عنه شيء إلا على وفق الاستقامة - كذا في جامع البيان . وقال في الانتصاف : هذا التكرار لما قدمته في نظيره مما صدر الكلام به إذا طال عهده وذلك أن الكلام مصدّر بالتوحيد ، ثم أعقب التوحيد تعداد الشاهدين به ، ثم قوله : { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } وهو التنزيه . فطال الكلام بذلك فجدد التوحيد تلو التنزيه ، ليلي قوله : { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [ آل عمران : 19 ] . ولولا هذا التجديد لكان التوحيد المتقدم . كالمنقطع في الفهم مما أريد إيصاله به . والله أعلم . لطيفة قال الرازيّ : فإن قيل : المدعي للوحدانية هو الله ، فكيف يكون المدعي شاهداً ؟ الجواب : من وجوه : الأول : وهو أن الشاهد الحقيقيّ ليس إلا الله ، وذلك لأنه تعالى هو الذي خلق الأشياء وجعلها دلائل على توحيده ، ولولا تلك الدلائل لما صحت الشهادة . ثم بعد نصب تلك الدلائل ، هو الذي وفق العلماء لمعرفة تلك الدلائل ، ولولا تلك الدلائل التي نصبها الله تعالى وهدى إليها لعجزوا عن التوصل بها إلى معرفة الوحدانية ، ثم بعد حصول العلم بالوحدانية ، فهو تعالى وفقهم حتى أرشدوا غيرهم إلى معرفة التوحيد . وإذا كان الأمر كذلك ، كان الشاهد على الوحدانية ليس إلا الله وحده ، ولهذا قال : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 19 ] - ثم ساق بقية الوجوه فانظره . وقال العارف الشعرانيّ ، قدس سره ، في كتاب ( الجواهر والدرر ) : سألت أخي أفضل الدين : لم شهد الحق تعالى لنفسه بأنه لا إله إلا هو ؟ فقال رضي الله عنه : لينبه عباده على غناه عن توحيدهم له ، وأنه هو الموحد نفسه بنفسه . فقلت له : فلِمَ عطف الملائكة على نفسه دون غيرهم ؟ فقال : لأن علمهم بالتوحيد لم يكن حاصلاً من النظر في الأدلة كالبشر ، وإنما كان علمهم بذلك حاصلاً من التجلي الإلهي ، وذلك أقوى العلوم وأصدقها ؛ فلذلك قدموا في الذكر على أولي العلم . وأيضاً فإن الملائكة واسطة بين الحق وبين رسله ، فناسب ذكرهم في الوسط ، فاعلم ذلك ، انتهى .