Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 199-199)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } . جملة مستأنفة سيقت لبيان أن أهل الكتاب كلهم كمن حُكِيَتْ هناتهم من نبذ الميثاق , وتحريف الكتاب وغير ذلك . بل منهم طائفة يؤمنون بالله حق الإيمان , ويؤمنون بما أنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة , وأنهم خاشعون لله , أي : مطيعون له , خاضعون متذللون بين يديه , لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً , أي : لا يكتمون ما بأيديهم من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم . وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم , سواء كانوا هوداً أو نصارى , وقد قال تعالى في سورة القصص : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ } [ القصص : 52 - 54 ] الآية , وقال تعالى : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] وقال تعالى : { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران : 113 ] . وهذه الصفات توجد في اليهود , ولكن قليلاً , كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار اليهود , ولم يبلغوا عشرة أنفس . وأما النصارى فكثير منهم يهتدون وينقادون للحق , كما قال تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ المائدة : 82 - 85 ] . وهكذا قال هنا : { أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } . وقد ثبت في الحديث أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما قرأ سورة { كۤهيعۤصۤ } [ مريم : 1 ] بحضرة النجاشي ملك الحبشة ، وعنده البطاركة والقساقسة ، بكى وبكوا معه ، حتى أخضبوا لحاهم . وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال : " إن أخاً لكم بالحبشة قد مات فصلوا عليه ، فخرج ، فخرج إلى الصحراء فصفهم وصلى عليه " . وروى ابن أبي حاتم والحافظ أبو بكر بن مردويه عن أنس بن مالك قال : " لما توفى النجاشي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استغفروا لأخيكم " فقال بعض الناس : يأمرنا أن نستغفر لعلج مات بأرض الحبشة ؟ ! فنزلت : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ … } الآية - ورواه عبد ابن حميد أيضاً مرسلاً . ورواه ابن جرير عن جابر ، وفيه : فقال المنافقون : يصلي على علج مات بأرض الحبشة ؟ ! فنزلت . وروى الحاكم في ( مستدركه ) عن عبد الله بن الزبير قال : نزل بالنجاشي عدوّ من أرضهم ، فجاءه المهاجرون فقالوا : إنا نحب أن نخرج إليهم حتى نقاتل معك وترى جرأتنا ونجزيك ما صنعت بنا ، فقال : لَدَاءٌ بنصر الله عز وجل ، خير من دواء بنصرة الناس . قال : وفيه نزلت : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ … } الآية - ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : وإن من أهل الكتاب ، يعني مسلمة أهل الكتاب . وقال عباد بن منصور : سألت الحسن البصريّ عن قول الله : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ } الآية - قال : هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، فاتبعوه ، وعرفوا الإسلام ، فأعطاه الله أجر اثنين : للذي كانوا عليه من الإيمان قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، واتباعهم محمداً صلى الله عليه وسلم - رواه ابن أبي حاتم . وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين ، فذكر منهم رجلاً من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي " أفاده ابن كثير . ثم إن الإخبار في آخر الآية ، بكونه تعالى : { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } . كناية عن كمال علمه بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق ، وأنه يوفّيها كل عامل على ما ينبغي ، وقدر ما ينبغي . ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر لكونه من لوازمها . ولكونها من لوازمها أشبه التأكيد ، فلذا لم يعطف عليه - والله أعلم .