Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 36-36)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } الضمير لما في بطني ، وإنما أنث على المعنى ، لأن ما في بطنها كان أنثى في علم الله ، أو على تأويل النفس أو النسمة . { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } أي : وكنت رجوت أن يكون ذكراً ، وإنما تحسرت أو اعتذرت إذ جهلت قدرها { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } ، قرئ في السبع بسكون التاء وضمها ، فعلى القراءة الأولى تكون الجملة المعترضة من كلامه تعالى ، إما لدفع ما يتراءى من أن قولها { رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } قصدت بها إعلام الله تعالى عن أن يحتاج إلى إعلامها ، فأزيلت الشبهة بقوله : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } هذا ما يتراءى لي . وإما لما ذكروه من أن الاعتراض تعظيم من جهته تعالى لموضوعها ، وتفخيم لشأنه ، وتجهيل لها بقدره ، أي والله أعلم بالنفس التي وضعتها ، وما علق بها من عظائم الأمور ، وجعلها وابنها آية للعالمين ، وهي غافلة عن ذلك . وعلى القراءة الثانية أعني ضم التاء ، فالاعتراض من كلامها . إما للوجه الأول من الوجهين السابقين كما استظهرتُه ، أو لما ذكروه من قصد الاعتذار إلى الله تعالى حيث أتت بمولود لا يصلح لما نذرته ، أو تسلية نفسها على معنى : لعل لله تعالى فيه سرّاً وحكمة . ولعل هذه الأنثى خير من الذكر . { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } جملة معترضة أيضاً ، إما من كلامه تعالى قصد به معذرتها في التحسر والتحزن ببيان فضل الذكر على الأنثى ، ولذا جبلت النفوس على الرغبة فيه دونها ، سيما في هذا المقام أعني مقام قصد إخلاص النذير للعبادة . فإن الذكر يفضلها من وجوه منها : أن الذكر يصح أن يستمر على خدمة موضع العبادة ولا يصح ذلك في الأنثى لمكان الحيض فيه وسائر عوارض النسوان . ومنها : أن الذكر يصلح لقوّته وشدته للخدمة دون الأنثى فإنها ضعيفة لا تقوى على الخدمة . ومنها : أن الذكر لا يلحقه عيب في الخدمة والاختلاط بالناس وليس كذلك الأنثى . ومنها : أن الذكر لا يلحقه من التهمة عند الاختلاط ما يحلق الأنثى . فهذه الوجوه تقتضي فضل الذكر على الأنثى في هذا المقام . واللام في ( الذكر والأنثى ) على هذا الملحظ ، للجنس - كذا ظهر لي - وعلى قولهم اللام للعهد فيهما أي ليس الذكر الذي طلبته وتخيلت فيه كمالاً ، قصاراه أن يكون كواحد من الأحبار ، كالأنثى التي وهبت لها . فإن دائرة علمها وأمنيتها لا تكاد تحيط بما فيها من جلائل الأمور . هذا ، وإما أن تكون هذه الجملة من كلامها ، والقصد حينئذ تأكيد الاعتذار ببيان أن الذكر ليس كالأنثى في الفضيلة والمزية ، وصلاحية خدمة المتعبدات ، فإنهن بمعزل عن ذلك . فاللام للجنس . لطيفة قيل : قياس كونه من قولها أن يكون " وَلَيْستَ الأُنْثَى كالذَّكَر " فإن مقصودها تنقيص الأنثى بالنسبة إلى الذكر . والعادة في مثله أن ينفى عن الناقص شبهة بالكامل ، لا العكس . قال الناصر في الانتصاف وقد وجد الأمر في ذلك مختلفاً فلم يثبت عين ما قيل . ألا ترى إلى قوله تعالى : { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ الأحزاب : 32 ] ، فنفي عن الكامل شبه الناقص ، مع أن الكمال لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ثابت بالنسبة إلى عموم النساء ، وعلى ذلك جاءت عبارة امرأة عمران ، والله أعلم . ومنه أيضاً : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } [ النحل : 17 ] . انتهى . { وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } قال المفسرون : هي في لغتهم بمعني العابدة ، سمتها بذلك رجاء وتفاؤلاً أن يكون فعلها مطابقاً لاسمها . لَكن رأيت في تأويل الأسماء الموجودة في التوراة والإنجيل أن مريم معناه مرارة أو مر البحر . فلينظر . قال السيوطيّ في الإكليل : في الآية دليل على جواز تسمية الأطفال يوم الولادة وأنه لا يتعين يوم السابع ؛ لأنه إنما قالت هذا بأثر الوضع ، كما فيها مشروعية التسمية للأم ، وأنها لا تختص بالأب . ثم طلبت عصمتها فقالت : { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ } أي : أُجيرُها بحفظك { وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } أي : المطرود لمخالفتك ، فلا تجعل عليها وعلى ذريتها له سلطاناً يكون سبباً لطردهما .