Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 37-37)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } أي : قبلها أو تكفل بها . ولم يقل " بِتَقَبُّلَ " للجمع بين الأمرين : التقبل الذي هو الترقي في القبول ، والقبول الذي يقتضي الرضا والإثابة ، قال المهايميّ : { بِقَبُولٍ حَسَنٍ } يجعلها فوق كثير من الأولياء { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } بجعل ذريتها من كبار الأنبياء - انتهى - وقال الزمخشري : نباتها مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها ، أي : كالصلاح والسداد والعفة والطاعة . { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } أي : ضمها إليه ، وقرئ بالتشديد . ونصب زكريا ممدودا أو مقصوراً ، والفاعل الله . أي : جعله كافلاً لها وضامناً لمصالحها ، وقائماً بتدبير أمروها . وقد روي أن أمها أخذتها وحملتها إلى المسجد ، ووضعتها عند الأحبار وقالت : دونكم هذه النذيرة ، فتنافسوا فيها إذ كانت بنت إمامهم ، وصاحب قربانهم ، وأحب كلٌّ أن يحظى بتربيتها ، فقال لهم زكريا : أنا أحق بها ، عندى خالتها ، فأبوا إلا القرعة ، وانطلقوا إلى نهر فألقوا فيها أقلامهم ، على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد فهو أولى بها ، فطفا قلم زكريا ، ورسبت أقلامهم ، وإليه الإشارة بقوله تعالى في آية أخرى : { إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [ آل عمران : 44 ] فأخذها زكريا ورباها في حجر خالتها ، حتى إذا نشأت وبلغت مبالغ النساء ، انزوت في محرابها تتعبد فيه وصارت بحيث { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . في الآية مسائل الأولى : في معنى المحراب : في القاموس وشرحه ما نصه : والمحراب : الغرفة والموضع العالي ، نقله الهرويّ في غريبه عن الأصمعيّ ، قال وضاح اليمن : @ ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلّماً @@ وقال أبو عبيدة : المحراب سيد المجالس ومقدمها وأشرفها . قال : وكذلك هو من المساجد . وعن الأصمعيّ : العرب تسمي القصر محراباً لشرفه . وقال الأزهريّ : المحراب عند العامة الذي يفهمه الناس مقام الإمام من المسجد . قال ابن الأنباريّ : سمي محراب المسجد لانفراد الإمام فيه ، وبعده من القوم . ومنه يقال : فلان حرب لفلان إذا كان بينهما بعد وتباغض . وفي المصباح : ويقال هو مأخوذ من المحاربة لأن المصلي يحارب الشيطان ويحارب نفسه بإحضار قلبه ، ثم قال : ومحاريب بني إسرائيل هي مساجدهم التي كانوا يجلسون فيها . انتهى . الثانية : في الآية دليل على وقوع الكرامة لأولياء الله تعالى ، كما وجد ، عند خبيب بن عديّ الأنصاريّ رضي الله عنه المستشهد بمكة ، قطفُ عنب . كما في البخاريّ . وفي الكتاب والسنة لهذا نظائر كثيرة . ومن اللطائف هنا ما نقله الإمام الشعرانيّ في ( اليواقيت ) عن العارف أبي الحسن الشاذليّ قدس سره أنه قال : إن مريم عليها السلام كان يتعرف إليها في بداياتها بخرق العوائد بغير سبب تقوية لإيمانها وتكميلاً ليقينها ، فكانت كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً . فلما قوي إيمانها ويقينها ردت إلى السبب لعدم وقوفها معه ، فقيل لها : { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } [ مريم : 25 ] ، انتهى . الثالثة : قوله تعالى : { إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ } الخ تعليل لكونه من عند الله . إما من تمام كلامها فيكون في محل نصب . وإما من كلامه عز وجل فهو مستأنف . ومعنى { بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي : بغير تقدير لكثرته . وإما بغير استحقاق تفضلاً منه تعالى . الرابعة : زكريا المنوه به هنا هو والد يحيى عليهما السلام . ومعنى زكريا تذكار الرب . كما في تأويل أسماء التوراة والإنجيل .