Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 44-44)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما سبق { مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ } أي : الأنباء المغيبة عنك { نُوحِيهِ إِلَيكَ } مطابقاً لما في كتابهم . وتذكير الضمير في { نُوحِيهِ } يجعل مرجعه ذلك { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } أي : وما كنت معايناً لفعلهم وما جرى من أمرهم في شأن مريم إذ يلقون أقلامهم أي : سهامهم التي جعلوا عليها علامات يعرف بها من يكفل مريم على جهة القرعة { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } بسببها تنافساً في كفالتها . وقد روى عن قتادة وغيره أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم فأيهم ثبت في جرية الماء فهو كافلها . فألقوا أقلامهم ، فاحتملها الماء إلا قلم زكريا ، فإنه ثبت ، ويقال إنه ذهب صاعداً يشق جرية الماء - والله أعلم - قال أبو مسلم : معنى يلقون أقلامهم ، مما كانت الأمم تفعله من المساهمة عند التنازع فيطرحون منها ما يكتبون عليها أسماءهم ، فمن خرج له السهم سلم له الأمر ، وقد قال الله تعالى : { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } [ الصافات : 141 ] ، وهو شبيه بأمر القداح التي تتقاسم بها العرب لحم الجزور . وإنما سميت هذه السهام أقلاماً لأنها تقلم وتبري ، وكل ما قطعت منه شيئاً بعد شيء فقد قلمته ، ولهذا السبب يسمى ما يكتب به قلماً . وقال السيوطيّ في الإكليل : هذه الآية أصل في استعمال القرعة عند التنازع . وقال بعض مفسري الزيدية : ثمرة الآية أنه يجوز التخاصم لطلب الفضل حتى يتميز واحد بمزية ، ودلت على أن التمييز يحصل بالقرعة في الأمر الملبس . لطيفة قال الزمخشريّ : فإن قلت : لم نفيت المشاهدة ، وانتفاؤها معلوم بغير شبهة ، وترك نفي استماع الأنباء من حفاظها ، وهو موهوم ؟ قلت : كان معلوماً عندهم علماً يقيناً أنه ليس من أهل السماع والقراءة ، وكانوا منكرين للوحي ، فلم يبق إلا المشاهدة ، وهي في غاية الاستبعاد والاستحالة ، فنفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي ، مع علمهم بأنه لا سماع له ولا قراءة . ونحوه : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } [ القصص : 44 ] ، { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ } [ القصص : 46 ] { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } [ يوسف : 102 ] - انتهى . وبالجملة ، فالنفي تقرير وتحقيق لكون تلك الأنباء وحياً على طريقة التهكم بمنكريه .