Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 50-50)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمُصَدِّقاً } حال معطوفة على قوله { بِآيَةٍ } أي : جئتكم بآية ومصدقاً { لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } أي : مقرراً لهما ومثبتاً { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } قال ابن كثير : فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة ، وهو الصحيح من القولين . ومن العلماء من قال : لم ينسخ منها شيئاً ، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ ، وانكشف لهم عن الغطاء في ذلك ، كما قال في الآية الأخرى : { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } [ الزخرف : 63 ] . والله أعلم - انتهى . أقول : من البعض الذي أحله عيسى عليه السلام لهم : فعل الخير في السبوت ، وقد كانوا يعتقدون تحريم مطلق عمل يوم السبت ، ولذا لما اجتاز عليه السلام بالإسرائيليين مرة أبصر مريضاً فسألوه : هل يحل أن يشفى في السبت ؟ فقال لهم عليه السلام : أي إنسان منكم يكون له خروف ، فيسقط في حفرة يوم السبت ولا يمسكه ويرفعه ؟ والأنسان كم يفضل الخروف ؟ فإذن يحل فعل الخير في السبوت ، ثم أبرأ ذلك المريض - كذا في الأصحاح الثاني عشر . من الفقرة التاسعة إلى الثالثة عشرة من إنجيل متى - وفيه في الإصحاح الخامس الفقرة السابعة عشرة قول المسيح عله السلام : لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض بل لأكمل - انتهى - وقد اتفقوا على أن المسيح عليه السلام أقام شرائع التوراة كلها ، ثم جاء بولس ومَن بعده من الرهبان فادعوا أن المسيح عليه السلام فعل ذلك كله ورفعه عنهم ، إذ أكمله وأتمه بفعله إياه . وكفاهم مؤونة العمل بشيء منه ، وأغناهم بشريعته الروحانية ، فنقضوا الناموس الذي جاء لإكماله المسيح . فمما نقضوه إباحة كثير من الحيوانات المحرمة في الناموس الموسويّ ، فنسخت حرمتها في الشريعة العيسوية . وثبتت الإباحة العامة بفتوى بولس ، إذ قال لهم : لا شيء نجس العين . كما في رسالته إلى أهل رومية . ومما نقضوه تعظيم السبت ، وما كان لأحد أن يعمل فيه أدنى عمل ، وكان من الأعياد المشروعة في التوراة . ومنه حكم الختان الذي كان أبويا في شريعة إبراهيم عليه السلام وأولاده إلى شريعة موسى ، وقد ختن عيسى عليه السلام ، فنسخ حكمه الرهبان بعده ، كما نسخوا جميع الأحكام العملية للتوراة ، إلا الزنى ، كما بيّن في إظهار الحق ، في الباب الثالث في إثبات النسخ . وقد أسلفنا جملة جليلة في هذا الشأن في سورة البقرة عند قوله تعالى : { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } [ البقرة : 135 ] . فانظرها . { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } كرره تأكيداً وليبني عليه قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } .