Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 89-89)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي : الكفر بعد الإيمان { وَأَصْلَحُواْ } أي : وضمّوا إلى التوبة الأعمالَ الصالحة . وفيه أن التوبة وحدها لا تكفي حتى يضاف إليها العمل الصالح { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فيقبل توبتهم ويتفضل عليهم . وهذا من لطفه وبره ورأفته وعائدته على خلقه أن من تاب إليه تاب عليه . وقد روى ابن جرير عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ، ولحق بالشرك ثم ندم ، فأرسل إلى قومه : أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة ؟ فنزلت : { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } [ آل عمران : 86 ] . إلى قوله : { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . فأرسل إليه قومه فأسلم . وهكذا رواه النسائيّ والحاكم وابن حبان . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال : جاء الحارث بن سَُوَيد فأسلم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه : { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } [ آل عمران : 86 ] . إلى قوله : { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قال : فحملها إليه رجل من قومه ، فقرأها عليه ، فقال الحارث : إنك والله ، ما علمتُ ، لصَدُوقٌ ، وإن رسول الله لأصدق منك ، وإن الله لأصدق الثلاثة . فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه . قال ابن سلامة : فصارت فيه توبة ، وفي كل نادم إلى يوم القيامة . تنبيه قال بعض مفسري الزيدية : ثمرة الآية جواز لعن الكفار ، وسواء كان الكافر معيّناً أو غير معيّن ، على ظاهر الأدلة . وقد قال النوويّ : ظاهر الأحاديث أنه ليس بحرام . وأشار الغزاليّ إلى تحريمه إلا في حق من أعلمنا الله أنه مات على الكفر . كأبي لهب وأبي جهل وفرعون وهامان وأشباههم . قال : لأنه يدري بما يختم له . وأما الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعيانهم يجوز أنه صلى الله عليه وسلم علم موتهم على الكفر . وأما ما ورد في الترمذيّ عنه صلى الله عليه وسلم : " ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش البذيءّ " فقيل : اللعان مثل الضرّاب للمبالغة ، والمعنى لا يعتاد اللعن حتى يكثر منه . ومن ثمرات الآية صحة التوبة من الكافر والعاصي بالردة وغيرها ، وذلك إجماع . إلا توبة المرتد ففيها خلاف شاذ . فعند أكثر العلماء أن توبته مقبولة لهذه الآية وغيرها . وعند ابن حنبل لا تقبل توبته - رواه عنه في ( شرح الإبانة ) قيل وهو غلط . لهذه الآية ولقوله تعالى في سورة النساء : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ } [ النساء : 137 ] . فأثبت إيماناً بعد كفر تقدمه إيمان . ولو تكررت منه الردة صحت توبته أيضاً عند جمهور العلماء ، لقوله تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] . وقال إسحاق بن راهويه : إذا ارتد في الدفعة الثالثة لم تقبل توبته بعد ذلك . أي : لظاهر آية النساء - انتهى . قلت : وفي زاد المستقنع و ( شرحه ) : من فقه الحنابلة ما نصه : ولا تقبل توبة من تكررت ردته بل يقتل . لأن ذلك يدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالإسلام - انتهى - وهو قريب من مذهب إسحاق . وحكى في ( فتح الباري ) مثله عن الليث وعن أبي إسحاق المروزيّ من أئمة الشافعية .