Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 90-90)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } أي الذين ضلوا سبيل الحق وأخطأوا منهاجه . وقد أشكل على كثير قوله تعالى { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } مع أن التوبة عند الجمهور مقبولة كما في الآية قبلها ، وقوله سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [ الشورى : 25 ] . وغير ذلك ، فأجابوا : بأن المراد عند حضور الموت . قال الواحديّ في الوجيز : لن تقبل توبتهم لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت ، وتلك التوبة لا تقبل - انتهى ، أي : كما قال تعالى : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } [ النساء : 18 ] الآية . وقيل عدم قبول توبتهم كناية عن عدم توبتهم أي : لا يتوبون . كقوله : { ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ، ويس : 10 ] . وإنما كني بذلك تغليظاً في شأنهم وإبرازاً لحالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة ، وقيل : لأن توبتهم لا تكون إلا نفاقاً لارتدادهم وازديادهم كفراً . وبقي للمفسرين وجوه أخرى ، هي في التأويل أبعد مما ذكر ، ولا أرى هذه الآية إلا كآية النساء : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ } [ النساء : 137 ] الخ . وكلاهما مما يدل صراحة على أن من تكررت ردته لا تقبل توبته ، وإلى هذا ذهب إسحاق وأحمد كما قدمنا ، وذلك لرسوخه في الكفر . وقد أشار القاشانيّ : إلى أن هذه الآية مع التي قبلها يستفاد منها أن الكفرة قسمان في باب العناد ، وعبارته عند قوله تعالى : { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً } [ آل عمران : 86 ] : أنكر تعالى هدايته لقوم قد هداهم أولاً بالنور الاستعدادي إلى الإيمان ثم بالنور الإيمانيّ إلى أن عاينوا حقية الرسول وأيقنوا بحيث لم يبق لهم ( كذا ) . وانضم إليه الاستدلال العقليّ بالبينات ، ثم ظهرت نفسهم بعد هذه الشواهد كلها بالعناد واللجاج وحجبت أنوار قلوبهم وعقولهم وأرواحهم الشاهدة ثلاثتها بالحق للحق ، لشؤم ظلمهم وقوة استيلاء نفوسهم الأمارة عليهم الذي هو غاية الظلم فقال : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ آل عمران : 86 ] لغلظ حجابهم وتعمقهم في البعد عن الحق وقبول النور . وهم قسمان : قسم رسخت هيأة استيلاء النفوس الأمارة على قلوبهم فيهم وتمكنت ، وتناهوا في الغي والاستشراء ، وتمادوا في البعد والعناد ، حتى صار ذلك ملكة لا تزول . وقسم لم يرسخ ذلك فيهم بعد ، ولم يصر على قلوبهم رَيْناً ، ويبقى من وراء حجاب النفس مسكة من نور استعدادهم ، عسى أن تتداركهم رحمة من الله وتوفيق فيندموا ويستجيبوا بحكم غريزة العقول . فأشار إلى القسم الأول بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } إلى آخره ، وإلى الثاني بقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ } [ آل عمران : 89 ] ، بالمواظبة على الأعمال والرياضات ، ما أفسدوا - انتهى .