Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 92-92)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } استئناف خطاب للمؤمنين سيق لبيان ما ينفعهم ويقبل منهم ، إِثْر بيان الكفرة ولا يقبل منهم ، أي : لن تبلغوا حقيقة البر ، وتلحقوا بزمرة الأبرار . بناءً على أن تعريف البر للجنس ، أو لن تنالوا بر الله سبحانه وتعالى وهو ثوابه وجنته , إذا كان للعهد , حتى تنفقوا في سبيل الله تعالى مما تحبون ، أيّ تهوونه ويعجبكم من كرائم أموالكم ، كما في قوله تعالى : { أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } [ البقرة : 267 ] وقد روى الشيخان عن أنس بن مالك قال : " كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إلى بيرحاءَ وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب . قال أنس : فلما أنزلت هذه الآية { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء ، وإنها صدقة لله عز وجل أرجو برها وذخرها عند الله . فضعها يا رسول الله حيث أراك الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بخٍ بخٍ ، ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت . وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " قال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله " فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه - ( وبيرحا روى بكسر الباء وفتحها وفتح الراء وضمها والمد والقصر ، وهو اسم حديقة بالمدينة - وفي الفائق : إنها فَيْعَلَى من البراح ، وهو الأرض الظاهرة . وبخ بخ كلمة استحسان ومدح كررت للتأكيد ، ورابح بالموحدة أي ذو ربح ، وبالمثناة التحتية أي يروح عليك نفعه وثوابه ) . وفي الصحيحين " أن عمر قال : يا رسول الله ! لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر ، فما تأمرني به ؟ قال : " حبس الأصل وسبل الثمرة " " . وروى الحافظ أبو بكر البزار أن عبد الله بن عمر قال : حضرتني هذه الآية { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } فذكرت ما أعطاني الله ، فلم أجد شيئاً أحب إليّ من جارية لي رومية ، فقلت : هي حرة لوجه الله ، فلو أني أعود في شيء جعلته لله ، لنكحتها . يعني : تزوجتها . تنبيه قال القاشانيّ ، في هذه الآية : كل فعل يقرب صاحبه من الله فهو بر ، ولا يمكن التقرب إليه إلا بالتبرؤ عما سواه ، فمن أحب شيئاً فقد حجب عن الله تعالى به ، وأشرك شركاً خفياً ، لتعلق محبته بغير الله ، كما قال تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ } [ البقرة : 165 ] وآثر نفسه به على الله ، فقد بعد من الله بثلاثة أوجه : وهي محبة غير الحق ، والشرك ، وإيثار النفس على الحق ؛ فإن آثر الله به على نفسه وتصدق به وأخرجه من يده فقد زال البعد ، وحصل القرب ، وإلا بقي محجوباً ، وإن أنفق من غيره أضعافه ، فما نال برّاً لعلمه تعالى بما ينفق وباحتجابه بغيره . { وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي : فمجازيكم عليه ، قليلاً كان أو كثيراً ، جيداً أو غيره .