Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 91-91)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } هذه الآية نظير قوله تعالى في سورة المائدة : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ المائدة : 36 ] . وقد روى الإمام أحمد والشيخان عن أنس بن مالك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به ؟ قال : فيقول نعم ، فيقول الله : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك ! " وفي رواية للإمام أحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له : يا ابن آدم ! كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : أي : رب ! خير منزل ، فيقول : سل وتمنَّ ، فيقول : ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات - لما يرى من فضل الشهادة - ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له : يا ابن آدم ! كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : أي : رب ! شر منزل ، فيقول له : أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهباً ؟ فيقول : أي : رب ! نعم . فيقول : كذبت ! قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل . فيردّ إلى النار " ولهذا قال : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي : من منقذ من عذاب الله ولا مجير من أليم عقابه . لطيفة في قوله تعالى : { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } قال صاحب الانتصاف : إن هذه الواو المصاحبة للشرط تستدعي شرطاً آخر ، يعطف عليه الشروط المقترنة به ضرورة . والعادة في مثل ذلك أن يكون المنطوق به منبهاً على المسكوت عنه بطريق الأولى . مثاله : قولك : أكرم زيداً ولو أساء ، فهذه الواو عطفت المذكور على محذوف تقديره : أكرم زيداً لو أحسن ولو أساء ، إلا أنك نبهت بإيجاب إكرامه وإن أساء على أن إكرامه إن أحسن بطريق الأولى . ومنه : { كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } [ النساء : 135 ] . معناه - والله أعلم - لو كان الحق على غيركم ولو كان عليكم ، ولكنه ذكر ما هو أعسر عليهم فأوجبه تنبيهاً على ما هو أسهل وأولى بالوجوب ، فإذا تبين مقتضى الواو في مثل هذه المواضع وجدت آية آل عمران هذه مخالفة لهذا النمط ظاهراً . لأن قوله : { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } . يقتضي شرطاً آخر محذوفاً يكون هذا المذكور منبهاً عليه بطريق الأولى . وهذه الحال المذكورة ، وهي حالة افتدائهم بملء الأرض ذهباً ، هي حالة أجدر الحالات بقبول الفدية ، وليس وراءها حالة أخرى تكون أولى بالقبول منها ، فلذلك قدر الزمخشريّ الكلام بمعنى : لن يقبل من أحد منهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً . حتى تبين حالة أخرى يكون الافتداء الخاص بملء الأرض ذهباً هو أولى بالقبول منها ، فإذا التقى حيث كان أولى فلأن ينتفي فيما عدا هذه الحالة أولى ؛ فهذا كله بيان للباعث له على التقدير المذكور . وأما تنزيل الآية عليه فعسر جداً ، فالأولى ذكر وجه يمكن تطبيق الآية عليه على أسهل وجه وأقرب مأخذ إن شاء الله . فنقول : قبول الفدية التي هي ملء الأرض ذهباً يكون على أحوال : منها : أن يؤخذ منه على وجه القهر فدية عن نفسه كما تؤخذ الدية قهراً من مال القاتل على قول . ومنها : أن يقول المفتدي في التقدير : أفدي نفسي بكذا - وقد لا يفعل - . ومنها : أن يقول هذا القول وينجز المقدار الذي يفدي به نفسه ويجعله حاضراً عتيداً ، وقد يسلمه مثلاً لمن يأمن منه قبول فديته . وإذا تعددت الأحوال فالمراد في الآية أبلغ الأحوال وأجدرها بالقبول ، وهو أن يفتدي بملء الأرض ذهباً افتداء محققاً ، بأن يقدر على هذا الأمر العظيم ويسلمه وينجزه اختياراً ، ومع ذلك لا يقبل منه . فمجرد قوله : أبذل المال وأقدر عليه ، أو ما يجري هذا المجرى بطريق الأولى ، فيكون دخول الواو والحالة هذه على بابها تنبيهاً على أن ثَمَّ أحوالاً أُخَر لا ينفع فيها القبول بطريق الأولى بالنسبة إلى الحالة المذكورة . وقد ورد هذا المعنى مكشوفاً في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ المائدة : 36 ] - والله أعلم - وهذا كله تسجيل بأنه لا محيص ولا مخلص لهم من الوعيد ، وإلا فمن المعلوم أنهم أعجز عن الفلس في ذلك اليوم . ونظير هذا التقدير من الأمثلة أن يقول القائل : لا أبيعك هذا الثوب بألف دينار ولو سلمتها إليّ في يدي هذه . فتأمل هذا النظر فإنه من السهل الممتنع والله وليّ التوفيق - انتهى . وثمة وجه ثان : وهو أن المرادَ ولو افتدى بمثله معه كما صرح به في تلك الآية ، فالمعنى لا يقبل ملء الأرض فدية ، ولو زيد عليه مثله ، والمثل يحذف كثيراً في كلامهم ، كقولك : ضربته ضرب زيد ، تريد مثل ضربه . وأبو يوسف أبو حنيفة : تريد مثله . وقضية ولا أبا حسن لها ، أي : ولا مثل أبي حسن . كما أنه يراد في نحو قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، تريد أنت . وذلك أن المثلين يسد أحدهما مسد الآخر ، فكانا في حكم شيء واحد ، وعلى هذا الوجه يجري الكلام على التأويل المتقدم لأنه نبه بعدم قبول مثلي ملء الأرض ذهباً على عدم قبول ملئها مرة واحدة بطريق الأولى . ووجه ثالث : وهو أن لا يحمل { مِّلْءُ ٱلأَرْضِ } أولاً على الافتداء بل على التصدق ، ولا يكون الشرط المذكور من قبيل ما يقصد به تأكيد الحكم السابق ، بل يكون شرطاً محذوف الجواب ، ويكون المعنى : لا يقبل منه ملء الأرض ذهباً تصدق به ، ولو افتدى به أيضاً لم يقبل منه . وضمير " به " للمال من غير اعتبار وصف التصدق . ووجه رابع : وهو أن الواو زيدت لتأكيد النفي . فتبصر .