Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 1-6)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ } اتفق المؤرخون من المسلمين وأهل الكتاب على أن ملك فارس كان غزا بلاد الشام وفتح دمشق وبيت المقدس ، الأولى سنة 613 ، والثانية سنة 614م . أي : قبل الهجرة النبوية بسبع سنين - فحدث أن بلغ الخبر مكة . ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين ، وقالوا : أنتم والنصارى أهل كتاب . ونحن وفارس وثنيون . وقد ظهر إخواننا على إخوانكم . ولنظهرن عليكم . فنزلت الآية ، فتليت على المشركين . فأحال وقوع ذلك بعضهم . وتراهن مع الصديق رضي الله عنه على مائة قلوص ، إن وقع مصداقها . فلم يمض من البضع - وهو ما بين الثلاث إلى التسع - سبع سنين إلا وقد نظم هرقل جنود الروم وغزا بهم بلاد فارس سنة 621م . أي : قبل الهجرة بسنة ، فدوّخها ، واضطر ملكها للهرب . وعاد هرقل بالغنائم الوافرة . ولا ريب أن ذلك أعظم معجزات القرآن . أعني إخباره عن غيب وقع مصداقه ، واستبان للجاحدين من نوره إشراقه . وفي ضمنه ، أن سائر غيوبه كذلك من ظهور الإسلام على الدين كله ، وزهوق الباطل ، وعلوّ الحق ، وجعل المستضعفين أئمة ، وإيراثهم أرض عدوّهم ، إلى غير ذلك . وما ألطف ما قال الزبير الكلائيّ : رأيت غلبة فارس الروم . ثم رأيت غلبة الروم فارس . ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم . كل ذلك في خمس عشرة سنة - من أواخر غلبة فارس إلى أوائل غلبة المسلمين - والأرض ( كما قال الزمخشري ) أرض العرب . لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم . والمعنى : غلبوا في أدنى أرض العرب أي أقربها منهم ، وهي أطراف الشام { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ } أي : من قبل غلبة فارس على الروم { وَمِن بَعْدُ } أي : من بعد غلبة الروم على فارس . ويقال : لله العلم والقدرة والمشيئة من قبل إبداء الخلق ، ومن بعد إفناء الخلق . والمعنى : أن كلا من كونهم مغلوبين أولاً ، وغالبين آخرا ، ليس إلا بأمره وقضائه ، وعلمه ومشيئته . كما قال تعالى : { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [ آل عمران : 140 ] . { وَيَوْمَئِذٍ } أي : يوم إذ يغلب الروم على فارس ، ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم { يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ } أي : تغليبه من له كتاب ، على من لا كتاب له . وغيظ من شمت بهم من كفار مكة . ويقال : نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين { يَنصُرُ مَن يَشَآءُ } أي : من عباده على عدوّه { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي : القاهر الغالب على أمره ، لا يعجزه من شاء نصره { ٱلرَّحِيمُ } أي : من نصره وتغليبه من يشاء { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : بحكمته تعالى ، في كونه وأفعاله المحكمة ، الجارية على وفق العدل ، لجهلهم وعدم تفكرهم .