Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 26-28)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم } أي : عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } يعني بني قريظة . وهم طائفة من اليهود ، كان نزل آباؤهم الحجاز لما فرّوا من الاضطهاد وتشتتوا كل شتات في أطراف البلاد { مِن صَيَاصِيهِمْ } أي : حصونهم وآطامهم التي كانوا فيها { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } أي : الخوف ، جزاء وفاقا . قال ابن كثير : لأنهم كانوا مالئوا المشركين على حرب النبيّ صلى الله عليه وسلم - وليس من يعلم كمن لا يعلم - وأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليعزوا في الدنيا ، فانعكس عليهم الحال وانقلب إليهم القتال ، لما انشمر المشركون وراحوا بصفقة المغبون ، فكما راموا العز ذلوا ، وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا ؛ ولهذا قال تعالى : { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } يعني : قتل الرجال المقاتلة ، وسبي الذراريّ والنساء . روى الإمام أحمد عن عطية القرظيّ قال : " عُرِضت على النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكّوا فيّ . فأمر بي النبيّ صلى الله عليه وسلم أن ينظروا : هل أنبتُّ بعد ؟ فنظروني فلم يجدوني أنبتّ ، فخلّى عني ، وألحقني بالسبي " . وكذا رواه أهل السنن كلهم : وقال الترمذي : حسن صحيح . { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ } حصونهم { وَأَمْوَالَهُمْ } أي : نقودهم وأثاثهم ومواشيهم { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } أي : أرضا لم تقبضوها بعد ، يعني خيبر ، وقيل مكة . رواه مالك عن زيد بن أسلم . وقيل : فارس والروم ، وقال ابن جرير : يجوز أن يكون الجميع مراداً . قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير أنه أراد نساءهم . وبتمام هذه الغزوة أراح الله المسلمين من شر مجاورة اليهود الذين تعودوا الغدر والخيانة ، ولم يبق إلا بقية من كبارهم بخيبر مع أهلها ، وهم الذين كانوا السبب في إثارة الأحزاب . قال بعضهم : يالله ! ما أسوأ عاقبة الطيش ! فقد تكون الأمة مرتاحة البال هادئة الخواطر ، حتى تقوم جماعة من رؤسائها بعمل غدر يظنون من ورائه النجاح . فيجلب عليهم الشرور ويشتتهم من ديارهم . وهذا ما حصل لليهود في الحجاز . فقد كان بينهم وبين المسلمين عهود يأمن بها كل منهم الآخر . ولكن اليهود لم يوفوا بتلك العهود حسداً منهم وبغياً . فَتَمَّ عليهم ما تم . سنة الله في المفسدين . فإن الله لا يصلح أعمالهم { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } أي : وقد شاهدتم بعض مقدوراته فاعتبروا بغيرها . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي : السعة والتنعم فيها { وَزِينَتَهَا } أي : زخارفها { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ } أي : أعطكن المتعة وأطلقكن . والمتعة ما يعطى للمرأة المطلّقة على حسب السعة والإقتار . من ثياب أو دراهم أو أثاث ، تطوعا لا وجوباً . وقوله تعالى : { سَرَاحاً جَمِيلاً } أي : طلاقا من غير ضرار ولا بدعة . وقد روي أنهن سألن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثياب الزينة وزيادة النفقة مما ليس عنده . فنزلت الآية . ولما نزلت ، بدأ صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها . وكانت أحبهن إليه . فخيّرها وقرأ عليها القرآن ، فاختارت الله ورسول والدار الآخرة . ثم اختار جميعُهن اختيارها . ، قيل : وكان تحته يومئذ تسع نسوة ، خمس من قريش : عائشة ، وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة رضي الله عنهن . ثم صفية بنت حُييّ النضرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية رضي الله عنهن . لطيفة قال الرازي : وجه التعلق ، وهو أن مكارم الأخلاق منحصرة في شيئين : التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله . وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله : " الصلاة وما ملكت أيمانكم " ثم إن الله تعالى لما أرشد نبيّه إلى ما يتعلق بجانب التعظيم لله ، بقوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 1 ] ذكر ما يتعلق بجانب الشفقة . وبدأ بالزوجات ، فإنهن أولى الناس بالشفقة ، ولذا قدمهن في النفقة . انتهى .