Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 47-49)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } أي : ثوابا عظيماً وأجراً جزيلاً { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } أي : فيما يرجفون به ويعيبون من جاهليتهم وعوائدهم ، بإلانة الجانب في التبليغ ، والمسامحة في الإنذار والتمهل في الصدع بالحق { وَدَعْ أَذَاهُمْ } أي : إيصال الضرر إليهم ، مجازاة لفعلهم . بل اعف واصفح . أو معناه : دع ما يؤذونك به بسبب صدعك إياهم . فالمصدر مضاف إلى الفاعل على الأول ، وإلى المفعول على الثاني { وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً } أي : موكولا إليه ، وكفيلا فيما وعدك من النصر ، ودحر ذوي الكفر . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي : تزوجتموهن { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } أي : تجامعوهن { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } أي : تستوفون عددها من إحصاء أقراء ، ولا أشهر تحصونها عليهن { فَمَتِّعُوهُنَّ } أي : أعطوهن ما يستمتعن به من عرض أو عين مال { وَسَرِّحُوهُنَّ } أي : خلّوا سبيلهن بإخراجهن من منازلكم . إذ ليس لكم عليهن عدّة { سَرَاحاً جَمِيلاً } أي : من غير ضرار ولا منع حق . تنبيه قال ابن كثير : هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة . منها إطلاق النكاح على العقد وحده . وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منه ، وقد اختلفوا في النكاح : هل هو حقيقة في العقد وحده ، أو في الوطء ، أو فيهما ؟ على ثلاثة أقوال . واستعمال القرآن ، إنما هو في العقد والوطء بعده ، إلا في هذه الآية . فإنه استعمل في العقد وحده لقوله تعالى : { إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها . وقوله تعالى : { ٱلْمُؤْمِنَاتِ } خرج مخرج الغالب . إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك ، بالاتفاق . وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما . وابن المسّيب والحسن البصريّ وزين العابدين ، وجماعة من السلف بهذه الآية ، على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح ، لقوله تعالى : { إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } بعقب النكاح بالطلاق . فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله . وهذا مذهب الشافعيّ وأحمد وطائفة كثيرة من السلف والخلف . وأيده ما روي مرفوعا : " لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك " رواه أحمد وأبو داود والترمذيّ وابن ماجه . وقال الترمذيّ : هذا حديث حسن ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب . وهكذا روى ابن ماجه عن علي والمِسْور بن مخرمة رضي الله عنهما ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم : " لا طلاق قبل النكاح " . وقوله تعالى : { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } هذا أمر مجمع عليه بين العلماء ، أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها ، لا عدة عليها . فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت . ولا يتسثنى من هذا إلا المتوفى زوجها . فإنها تعتدّ منه أربعة أشهر وعشرا . وإن لم يكن دخل بها ، بالإجماع أيضا . وقوله تعالى : { فَمَتِّعُوهُنَّ } المتعة ههنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى ، أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها . قال تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] ، وقال عز وجل : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } [ البقرة : 236 ] . وعن ابن عباس : إن كان سمّى لها صداقا ، فليس لها إلا النصف ، وإن لم يكن سمى لها صداقا ، فأمتعها على قدر عسره ويسره ، وهو السراح الجميل . انتهى . وعليه ، فالآية في المفوضية التي لم يسمّ لها . وقيل : الآية عامة . وعليه ، فقيل الأمر للوجوب ، وأنه يجب مع نصف المهر المتعة أيضا . ومنهم من قال للاستحباب ، فيستحب أن يمتعها مع الصداق بشيء . لطيفة قال الرازي : وجه تعلق الآية بما قبلها ، هو أن الله تعالى في هذه السورة ، ذكر مكارم الأخلاق ، وأدّب نبيّه على ما ذكرناه . لكن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به نبيّه المرسل ، فكلما ذَكَرَ للنبيّ مكرمةً ، وعلمه أدباً ، ذَكَرَ للمؤمنين ما يناسبه . فكما بدأ الله في تأديب النبيّ صلّى الله عليه وسلم بذكر ما يتعلق بجانب الله ، بقوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 1 ] وثنَّى بما يتعلق بجانب العامة بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً } [ الأحزاب : 45 ] كذلك بدأ في إرشاد المؤمنين بما يتعلق بجانب الله فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } [ الأحزاب : 41 ] ثم ثنَّى بما يتعلق بجانب مَنْ تحت أيديهم بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } ثم ، كما ثلث في تأديب النبيّ بجانب الأمة ، ثلث في حق المؤمنين بما يتعلق بجانب نبيّهم ، فقال بعد هذا : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } [ الأحزاب : 53 ] وبقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 56 ] . انتهى .