Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 50-50)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } أي : مهورهن فإنها أجور الأبضاع . وإيتاؤها ، إما إعطاؤها معجلة ، أو تسميتها في العقد . وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم ، وما لا يعرف بينهم غيره . قال ابن كثير : كان مهر النبيّ صلّى الله عليه وسلم لنسائه اثنتي عشرة أوقية ونشاً . وهو نصف أوقية . فالجميع خمسمائة درهم . إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشيّ رحمه الله تعالى أربعمائة دينار . وإلا صفية بنت حُييّ فإنه اصطفاها من سبي خيبر ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها ، وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس وتزوجها ، رضي الله عنهن . انتهى . وتقييد الإحلال له عليه الصلاة والسلام بإعطاء المهور ، ليس لتوقف الحل عليه . ضرورةَ أنه يصح العقد بلا تسمية . ويجب مهر المثل أو المتعة على تقديري الدخول وعدمه . بل لإيثار الأفضل والأوْلى له عليه الصلاة السلام . كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبيّة ، في قوله تعالى : { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ } فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها . قال ابن كثير : أي : وأباح لك التسرّي مما أخذت من المغانم . وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما . وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم عليه السلام ، وكانتا من السراري ، رضي الله عنهما { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ } أي : من مكة ، إلى المدينة ، والتقييد لبيان الأفضل كما تقدم . ولهم في إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة ، عدة أوجه . فيها اللطيف والضعيف . وعندي أن الإفراد والجمع تابع لمقتضى السبك والنظم ورقة التعبير ورشاقة التأدية . كما يدريه من يذوق طعم بلاغة القول ، ويشرب من عين فصاحته . فالإفراد فيهما هنا أرق وأعذب من الجمع . كما أن في آية { بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ } [ النور : 61 ] أمتن وأبلغ من الإفراد . ولكل مقام مقال . ولكل مجال حال { وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا } أي : يتزوجها ويرغب في قبول هبة نفسها بدون مهر . وقد سمى من الواهبات ميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية وأم شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم رضي الله عنهن . وفي البخاريّ عن عائشة قالت : كنت أغار في اللائي وهبن أنفسهن للنبيّ صلّى الله عليه وسلم وأقول : أتهب المرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله تعالى : { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ } [ الأحزاب : 51 ] قلت ما أرى ربك إلا يسارع في هواك . وعن ابن عباس ، أنه لم يكن عنده صلّى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له . أي : أنه لم يقبل ذلك وإن كان مباحا له . لأنه مردود إلى إرادته . والله أعلم . قال ابن القيم : وأما من خطبها صلّى الله عليه وسلم ولم يتزوجها ، ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها ، فنحو أربع أو خمس . وقال بعضهم : هن ثلاثون امرأة . وأهل العلم بالسيرة وأحواله صلّى الله عليه وسلم ، لا يعرفون هذا بل ينكرونه . قال أبو السعود : وإيراده عليه الصلاة والسلام في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات ، للتكرمة والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به عليه حسب اختصاصها به كما ينطبق به قوله تعالى : { خَالِصَةً لَّكَ } أي خلص لك إحلالها خالصة أي : خلوصا ، فهي مصدر مؤكد ، أو صفته أي : هبة خالصة { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : فإنهم لا تحل لهم الموهوبة إلا بوليّ ومهر ، خوف أن يستسري النساء وينتشر الفحش بدعوى ذلك . قال قتادة : ليس لامرأة تهب نفسها لرجل ، بغير وليّ ولا مهر إلا للنبيّ صلّى الله عليه وسلم . { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ } أي : على المؤمنين { فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ } أي : في حلّها من الوليّ والشهود والمسمى { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي : في حلها من توسيع الأمر فيها . وقال السيوطيّ في ( الإكليل ) : فسر بالاستبراء . وليس له في القرآن ذكر إلا ها هنا . { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } أي : ضيق . واللام متعلقة بـ { خَالِصَةً } أو بفعل يفهم مما قبله . أي : قد علمنا ما فرضنا عليهم ، وأسقطناه عنك لرفع الحرج عنك والضيق ، فيما اقتضته الحكمة والعناية بك { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي : يغفر ما يعسر التحرز عنه ، ويرحم فيما يوسع في مواقع الحرج .