Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 23-23)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أي : من المستأهلين لمقام الشفاعة ، كالنبيين والملائكة . وهذا تكذيب لقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي : كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم ، بكلمة يتكلم بها رب العزة ، في إطلاق الإذن ، تباشروا بذلك { قَالُواْ } أي : سائلاً بعضهم بعضا { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } أي : قال القول الحق ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } أي : ذو العلوّ والكبرياء ، ليس لملك ولا نبيّ أن يتكلم إلا بإذنه ، وأن يشفع إلا لمن ارتضى . قال ابن كثير : هذا أيضاً مقام رفيع في العظمة ، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي ، فسمع أهل السماوات كلامه ، أرعدوا من الهيبة ، حتى يلحقهم مثل الغشي . قاله ابن مسعود رضي الله عنه ومسروق وغيرهما . قال الزمخشريّ : فإن قلت : بم اتصل قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } ولأي شيء وقعت { حَتَّىٰ } غاية ؟ قلت : بما فهم من هذا الكلام ، من أن ثم انتظاراً للإذن وتوقعاً وتمهلاً وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء ، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن ، وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد مليّ من الزمان وطول من التربّص ، ومثل هذه الحال دل عليه قوله عز وجل : { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً * يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } [ النبأ : 37 - 38 ] . أي : وإذا كانت الشفاعة لمن أذن له بهذا الحال ، عظمة وسموّاً من ذي الجلال ، فأنّى ينالها جماد لا يعقل ، لاسيما وهو عدوّ للكبير المتعال ، فتبين كذبهم فيهم أنهم شفعاء ، وحرمانهم من مقامها ، بأجلى بيان وأفصح مقال . وفي الآية تأويل آخر ، وهو أن معنى قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي : عن قلوب المشركين عند الاحتضار ، ويوم القيامة إذا تنبهوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا ، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة ، { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ } فقيل لهم { ٱلْحَقَّ } وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا . قال مجاهد : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي : كشف عنها الغطاء يوم القيامة . وقال الحسن : أي : كشف عما فيها من الشك والتكذيب . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هذا عند الموت ، أقرّوا حين لا ينفعهم الإقرار . واختار ابن جرير القول الأول ، وهو أن الضمير عائد إلى الملائكة . قال ابن كثير : وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه . لصحة الأحاديث فيه والآثار ، أي : ولورود ما يؤيده في آية أخرى ، والقرآن يفسر بعضه بعضاً وذلك في قوله تعالى : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [ الأنبياء : 28 ] ، نعم ، النظم الكريم لا يأبى ما ذكروه ، إلا أن مراعاة الأشباه والنظائر هو العمدة في باب فهم التأويل ، ما وجد إليها سبيل .