Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 24-24)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أمر بتبكيت المشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة فيهما . وقوله : { قُلِ ٱللَّهُ } أي : الذي تعترفون بأنه هو الخالق ، كما قال تعالى : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } [ يونس : 31 ] أي : فحينئذ قامت الحجة عليهم منهم . { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : وإن أحد الفريقين من الموحدين ، الرازق من السماوات والأرض بالعبادة ، ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة على ذرة ، لعلى أحد الأمرين من الهدى أو الضلال . قال الزمخشري : وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من مُوالٍ أو منافٍ قال لمن خوطب به : قد أنصفك صاحبك ، وفي دَرْجِهِ بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ ، دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدي ، ومن هو في الضلال المبين ، ولكن التعريض والتورية أفضل بالمجادل إلى الغرض ، وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وقلّ شوكته بالهوينا ، ونحوه قول الرجل لصاحبه : علم الله الصادق مني ومنك ، وإن أحدنا لكاذب . ومنه بيت حسان : @ أتهجوه ولستَ له بكفء فشرُّكُما لخَيْرِكُما الفِدَاءُ @@ انتهى . قال الناصر : وهذا تفسير مهذب وافتنان مستعذب ، رددته على سمعي فزاد رونقاً بالترديد ، واستعاده الخاطر ، كأني بطيء الفهم حين يفيد ، ولا ينبغي أن ينكر بعد ذلك على الطريقة التي أكثر تعاطيها متأخرو الفقهاء في مجادلاتهم ، ومحاوراتهم ، وذلك قولهم : أحد الأمرين لازم على الإبهام ، فهذا المسلك من هذا الوادي غير بعيد ، فتأمله ، والله الموفق . انتهى . قال الشهاب : وهذا فن من فنون البلاغة يسمى ( الكلام المنصف ) . وقيل : إن الآية على اللف والنشر المرتب . ونظر فيه بأنه لو قصد اللف بأن يكون على هدى راجعا لقوله : { وَإِنَّآ } و { أَوْ فِي ضَلاَلٍ } راجعا لـ { إِيَّاكُمْ } كان العطف بالواو لا بأو ، وكونها بمعنى الواو كما في قوله : @ سِيّانِ كسرُ رَغِيفِه أو كسرُ عَظْم مِن عِظَامِهْ @@ بعيد جداً . إلاّ أنه قيل : لو جعل فيه إيماء لذلك لم يبعد . وإيثار ( على ) في الهدى و ( في ) في مقابله ، للدلالة على استعلاء صاحب الهدى وتمكنه واطلاعه ما يريد ، كالواقف على مكان عال ، أو الراكب على جواد ، وانغماس الضال في ضلاله حتى كأنه في مهواة مظلمة .