Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 10-10)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } أي : اختلس الكلمة { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ } أي : لحقه شعلة نارية تنقضّ من السماء { ثَاقِبٌ } أي : مضيء ، كأنه يثقب الجوّ بضوئه . تنبيه ذكر المفسرون : أن الشياطين كانوا يصعدون إلى قرب السماء ، فربما سمعوا كلام الملائكة وعرفوا به ما سيكون من الغيوب ، وكانوا يخبرونهم به ويوهمونهم أنهم يعلمون الغيب ، فمنعهم الله تعالى من الصعود إلى قرب السماء بهذه الشهب ، فإنه تعالى يرميهم بها فيحرقهم . قال ابن كثير : يعني إذا أراد الشيطان أن يسترق السمع ، أتاه شهاب ثاقب فأحرقه ؛ ولهذا قال جل جلاله : { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } [ الصافات : 37 ] أي : لئلا يصلوا إلى الملأ الأعلى ، وهي السماوات , ومن فيها من الملائكة ، إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى بما يقوله من شرعه وقدره ؛ كما وردت الأخبار بذلك في تفسير قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } [ سبأ : 23 ] انتهى . قال بعض علماء الفلك : كما أن العرش تحفّه الأرواح الغيبية - حسبما تقدم بيانه في آية { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [ الأعراف : 54 ] - فكذلك الكواكب الأخرى مسكونة مع الحيوانات والدواب بأرواح ، منها الصالح ( الملك ) ومنها الطالح ( الشيطان ) وكذلك أرضنا هذه ، ففيها من الملائكة ومن الشياطين مالا نبصره { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } [ الأعراف : 27 ] ، ولا يخفى أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، فعدم إدراكنا لهذه الأرواح لا يدل على عدم وجودها . كما أن عدم معرفة القدماء للميكروبات وللكهرباء التي تشاهد الآن آثارها العظيمة ، لم يكن يدل على عدم وجودها إذ ذاك في العالم ، فمن الجهل الفاضح إنكار الشيء لعدم معرفته أو العثور عليه ، على أن لنا الآن من مسألة استحضار الأرواح أكبر دليل على وجود أرواح في هذه الأرض ، لا نبصرها ولا نشعر بها . وقد قدّر الله تعالى أن الحيوانات في هذه الأرض ، إذا خرجت عنها إلى حيث ينقطع الهواء ويبطل التنفس ، وتموت في الحال . وكذلك قدر أن الأرواح الطالحة التي في أرضنا هذه ، إذا أرادت الصعود إلى السماء ، والاختلاط بالأرواح التي في الكواكب الأخرى ، انقضّ عليها ، قبل أن تخرج من جوّ الأرض ، شهاب من هذه الكواكب ، أو من غيرها ، فأحرقها وأهلكها ، بإفساد تركيبها ومادتها ، حتى لا يحصل اتصال بين هذه وتلك ، ولا تطلع على أسرار العوالم الأخرى ، وهذه الشهب التي تنقضّ ، إن كانت صادرة من أجرام ملتهبة ، كانت ملتهبة ، وإن كانت صادرة من أجرام غير ملتهبة ، التهبت فيما بعد لشدة سرعتها واحتكاكها بالغازات التي تمر فيها في جوّنا هذا . ولعل في مادة الشياطين ما يجتذب إلى هذه الشهب ويتحدُ بها . كما تجتذب العناصر الكيماوية بعضها بعضاً ( مثال ذلك عنصر الصوديوم فإنه يجتذب إليه الأكسجين من الماء فيحلله ) . ولا نقول : إن جميع الشهب تنقضّ لهذا السبب ، بل منها ما ينقضّ لأسباب أخرى . كاجتذاب بعض الأجرام السماوية له ، ومنها ما ينقض لإهلاك الشياطين ، كما بينّا هنا . والشياطين مخلوقة من مواد غازية كانت ملتهبة : { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } [ الحجر : 27 ] والمراد ( بالسماء الدنيا ) في هذه الآية الفضاء المحيط بنا القريب منا . أي هذا الجو الذي نشاهده وفيه العوالم كلها . أما ما وراءه من الجواء البعيدة عنا ، التي لا يمكن أن نصل إليها بأعيننا ولا بمناظيرنا ، فهو فضاء محض لا شيء فيه . فلفظ ( السماء ) له معان كثيرة كلها ترجع إلى معنى السموّ ، وتُفسَّرُ في كل مقام بحسبه . ثم قال : فكل مسألة جاء بها القرآن حق ، لا يوجد في العلم الطبيعيّ ما يكذبها ؛ لأنه وحي الله حقاً ، والحق لا يناقضه الحق : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ فصلت : 53 ] . وقال أيضاً : يعتقد الآن علماء الفلك أن أكثر الشهب تنشأ من ذوات الأذناب ، ويحتمل أن بعضها ناشئ من بعض الشموس المنحلة ، أو الباقية الملتهبة ، أو من براكين بعض السيارات ، أو مما لم ينطفئ من السيارات للآن ، ومتى علمنا أن ذوات الأذناب والسيارات جميعاً مشتقة من الشموس ، كان مصدر جميع الشهب هو الشموس أو النجوم . ( قال ) : وهذا يفهمنا معنى هذه الآية . ا . هـ كلامه . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 5 ] ، وقوله عز وجل : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [ الحجر : 16 - 18 ] ، وقوله سبحانه إخباراً عن الجن : { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [ الجن : 8 - 9 ] .