Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 26-26)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } أي : استخلفناك على الملك في الأرض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها ، ومنه قولهم : خلفاء الله في أرضه { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ } أي : هوى النفس ، من الميل إلى مال أو جاهٍ أو قريب أو صاحب { فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : صراطه الموصل إلى الكمالات ، كحفظ المملكة والنصر على الأعداء ، والنجاة في الآخرة ورفع الدرجات فيها { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } أي : بسبب نسيانهم ، وهو ضلالهم عن السبيل ، فإن تذكره يقتضي ملازمة الحق ومخالفة الهوى . تنبيه في الآية بيان وجوب الحكم بالحق ، وألا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء أو سبب يقتضي الميل ، واستدل بها بعضهم على احتياج الأرض إلى خليفة من الله . كذا في ( الإكليل ) . وقال ابن كثير : هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى ، ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل الله ، وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب ، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد . روى ابن أبي حاتم عن أبي زرعة ؛ أن الوليد بن عبد الملك قال له : أيحاسب الخليفة ، فإنك قد قرأت الكتاب الأول وقرأت القرآن وفقهت ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، أقول ؟ قال : قل في أمان . قلت : يا أمير المؤمنين ، أنت أكرم على الله أو داود عليه الصلاة والسلام ؟ إن الله تعالى جمع له النبوة والخلافة . ثم توعده في كتابه قال تعالى : { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } الآية . وقال الرازيّ : اعلم أن الإنسان خلق مدنيّاً بالطبع ؛ لأن الإنسان الواحد لا تنتظم مصالحه إلا عند وجود مدينة تامة ، حتى هذا يحرث وذاك يطحن وذلك يخبز وذلك ينسج والآخر يخيط . وبالجملة ، فيكون كل واحد منهم مشغولا بمهمّ ، وينتظم من أعمال الجميع مصالح الجميع . فثبت أن الإنسان مدنيّ بالطبع . وعند اجتماعهم في الموضع الواحد يحصل بينهم منازعات ومخاصمات ، ولا بد من إنسان قادر قاهر يقطع تلك الخصومات ويفصل تلك الحكومات . وذلك هو السلطان الذي ينفذ حكمه على الكل . فثبت أنه لا تنتظم مصالح الخلق إلا بسلطان قاهر سائس ، ثم إن ذلك السلطان القاهر السائس ، إن كان حكمه على وفق هواه ولطلب مصالح دنياه ، عظم ضرره على الخلق ، فإنه يجعل الرعية فداء لنفسه ، ويتوسل بهم إلى تحصيل مقاصد نفسه ، وذلك يفضي إلى تخريب العالم ووقوع الهرج والمرج في الخلق . وذلك يفضي بالآخرة إلى هلاك ذلك الملك . أما إذا كانت أحكام ذلك الملك مطابقة للشريعة الحقة الإلهية ، انتظمت مصالح العالم واتسعت أبوب الخيرات على أحسن الوجوه فهذا هو المراد من قوله : { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } يعني لا بد من حاكم بين الناس بالحق ، فكن أنت ذلك . ثم قال : { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية ، وتفسيره أن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله ، والضلال عن سبيل الله يوجب سوء العذاب . فينتج أن متابعة الهوى توجب سوء العذاب . انتهى .