Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 100-100)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } في طاعته { يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً } أي : طريقاً يراغم فيه أنوف أعدائه القاصدين إدراكه { كَثِيراً وَسَعَةً } أي : في الرزق ، أو في إظهار الدين ، أو في الصدر ، لتبدل الخوف بالأمن { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ } بمكة : { مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ } إلى طاعته ، أو إلى مكان أمر الله { وَ } إلى { رَسُولِهِ } بالمدينة { ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } أي : في الطريق قبل أن يصل إلى المقصد { فَقَدْ وَقَعَ } أي : ثبت { أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } أي : فلا يخاف فوات أجره الكامل ، لأنه نوى مع الشروع في العمل ، ولا تقصير منه في عدم إتمامه { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } فيغفر له ما فرط منه من الذنوب التي جملتها القعود عن الهجرة إلى وقت الخروج ، ويرحمه بإكمال ثواب هجرته . تنبيهات الأول : فيما روي في نزول الآية ، أخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس قال : خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً ، فقال لأهله : احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزل الوحي : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ … } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة الزرقي ، الذي كان مصاب البصر ، وكان بمكة ، فلما نزلت : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } ، فقال : إني لغنيّ وإني لذو حيلة ، فتجهز يريد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأدركه الموت بالتنعيم ، فنزلت هذه الآية : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ … } إلى آخرها . وأخرج ابن جرير نحو ذلك من طرق ، عن سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدّيّ والضحاك وغيرهم ، وسمي في بعضها ضمرة بن العيص ، أو العيص بن ضمرة ، وفي بعضها جندب بن ضمرة الجندعي ، وفي بعضها الضمري ، وفي بعضها رجل من بني ضمرة ، وفي بعضها رجل من خزاعة ، وفي بعضها رجل من بني ليث ، وفي بعضها من بني كنانة ، وفي بعضها من بني بكر . وأخرج ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ؛ أن جندع بن ضمرة الضمري كان بمكة ، فمرض ، فقال لبنيه : أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها ، فقالوا : إلى أين ؟ فأومأ بيده نحو المدينة ، يريد الهجرة ، فخرجوا به ، فلما بلغوا أضاة بني غفار ، مات ، فأنزل الله فيه : { وَمَن يَخْرُجْ … } الآية . وأخرج الأمويّ في ( مغازيه ) عن عبد الملك بن عمير قال : لما بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، أراد أن يأتيه ، فأبى قومه أن يَدَعوه ، قال : فليأت من يبلغه عني ويبلغني عنه ، فانتدب له رجلان ، فأتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالا : نحن رسل أكثم بن صيفي وهو يسألك : مَنْ أنت ؟ وما أنت ؟ وبم جئت ؟ قال : " أنا محمد بن عبد الله ، وأنا عبد الله ورسوله ، ثم تلا عليهم : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ … } [ النحل : 90 ] الآية فأتيا أكثم فقالا له ذلك ، قال : أي : قوم ! إنه يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن ملائمها ، فكونوا في هذا الأمر رؤوساً ولا تكونوا فيه أذناباً ، فركب بعيره متوجهاً إلى المدينة ، فمات في الطريق ، فنزلت فيه : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ … } الآية ، قال السيوطيّ : مرسل ، إسناده ضعيف . وأخرج أبو حاتم في كتاب ( المعمرين ) من طريقين من ابن عباس ؛ أنه سئل عن هذه الآية ؟ فقال : نزلت في أكثم بن صيفي ، قيل : فأين الليثي ؟ قال : هذا قبل الليثي بزمان ، وهي خاصة عامة . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن منده والباوردي في ( الصحابة ) عن هشام بن عروة ، عن أبيه ؛ أن الزبير بن العوام قال : هاجر خالد بن حرام إلى أرض الحبشة ، فنهشته حية في الطريق فمات ، فنزلت فيه : { وَمَن يَخْرُجْ … } الآية . قال الزبير : فكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة ، فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغتني ، لأنه قلَّ أحدٌ هاجر من قريش إلا ومعه بعض أهله ، أو ذوي رحمه ، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى ولا أرجو غيره . قال الحافظ ابن كثير : وهذا الأثر غريب جداً ، فإن هذه القصة مكية ، ونزول الآية مدني ، فلعله أراد أنها تعم حكمه مع غيره ، وإن لم يكن ذلك سبب النزول ، والله أعلم . الثاني : ثمرة الآية ، أن من خرج للهجرة ، ومات في الطريق فقد وجب أجره على الله ، قال الحاكم : لكن اختلف العلماء ، فقيل : أجر قصده ، وقيل : أجر عمله دون أجر الهجرة ، وقيل : بل له أجر المهاجرة ، وهو ظاهر في سبب نزول الآية . قال الحاكم : وقد استدل بعض العلماء أن الغازي يستحق السهم وإن مات في الطريق قال : وهو بعيد ، لأن المراد بالآية أجر الثواب . قال الزمخشريّ ، حكاية عن المفسرين : إن كل هجرة لغرض ديني من طلب علم أو حج أو جهاد ، أو فراراً إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة ، أو زهداً في الدنيا ، وابتغاء رزق طيب ، فهي هجرة إلى الله ورسوله ، وإن أدركه الموت في طريقه فأجره واقع على الله . ووقع في كلام الزمخشريّ على الآية السابقة هذا الدعاء ، وهو : اللهم ! إن كنت تعلم أن هجرتي إليك لم تكن إلا للفرار بديني ، فاجعلها سبباً في خاتمة الخير ، ودرك المرجوّ من فضلك ، والمبتغى من رحمتك ، وصِلْ جواري لك بعكوفي عند بيتك ، بجوارك في دار كرامتك ، يا واسع المغفرة . وكلامه ، رحمه الله ، بناه على أنه يستحب للإنسان أن يدعو الله بصالح عمله . وقد ذكر البخاري ومسلم حديث الثلاثة الذين دخلوا الغار وانسد عليهم بصخرة ، وصوبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دعا كل واحد منهم بصالح عمله ، وانفرجت عنهم الصخرة . وقد اقتضت الآية لزوم الهجرة ولو ببذل مال كالحج ، وفيما سبق من حديث الذي حمل من مكة وقد قال : احملوني فإني لست من المستضعفين - إشارة إلى أنها تجب الهجرة إذا تمكن من الركوب ولو مضطجعاً في المحمل ، لأنه حمل على سرير ، وقد ذكر المتأخرون ( في الحج ) أن الصحيح الذي يلزمه أن يمكنه الثبات على المحمل ، قاعداً لا مضطجعاً ، لأن أحداً لا يعجز عن ذلك ، فيحتمل أن يسوى بين المسألتين ، وأنه يجب الحج ولو مضطجعاً ، وأنهما لا يجبان مع الاضطجاع ، وفعل ضَمْرَة على سبيل الشذوذ ، ويحتمل أن يفرق بينهما وتجعل الهجرة أغلظ ، لأن فعل المحظور ، وهو الإقامة ، أغلظ من ترك الواجب ، وهذا يحتاج إلى تحقيق ، كذا في تفسير بعض الزيدية . الثالث : روي في معنى هذه الآية أحاديث وافرة ، منها ما في الصحيحين والسنن والمسانيد : عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " . قال ابن كثير : وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال . ومنه الحديث الثابت في الصحيحين " في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ، ثم أكمل ، بذلك العابد ، المائة ، ثم سأل عالما : هل له من توبة ؟ فقال له : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد أخرى يعبد الله فيه . فلما ارتحل من بلده مهاجراً إلى البلد الأخرى أدركه الموت في أثناء الطريق . فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال هؤلاء : إنه جاء تائباً ، وقال هؤلاء : إنه لم يَصِلْ بعد ، فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيهما كان أقرب فهو منها ، فأمر الله هذه أن تقترب من هذه وهذه أن تبعد ، فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر ، فقبضته ملائكة الرحمة " وفي رواية : أنه لما جاءه الموت نأى بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عتيك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خرج من بيته مهاجراً في سبيل الله ، فخرّ عن دابته فمات ، فقد وقع أجره على الله ، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله " وقوله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ … } .