Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 12-12)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَٰجُكُمْ } من المال { إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ } ذكر أو أنثى ، منكم أو من غيركم { فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ } على نحو ما فصّل { فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ } من المال ، والباقي لباقي الورثة { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } أي : من بعد استخراج وصيتهن وقضاء دينهن { وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } من المال { إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ } ذكر أو أنثى ، منهن أو من غيرهن { فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ } على النحو الذي فصل { فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } الكلام فيه كما تقدم ، وفي تكرير ذكر الوصية والدين ، من الاعتناء بشأنهما ، ما لا يخفى . لطيفة في الآية ما يدل على فضل الرجال على النساء ، لأنه تعالى حيث ذكر الرجال في هذه الآية ، ذكرهم على سبيل المخاطبة ، وحيث ذكر النساء ذكرهن على سبيل المغايبة ، وأيضاً خاطب الله الرجال في هذه الآية سبع مرات ، وذكر النساء فيها على سبيل الغيبة أقل من ذلك . وهذا يدل على تفضيل الرجال على النساء ، كما فضلوا عليهن في النصيب ، كذا يستفاد من الرازي . { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَو ٱمْرَأَةٌ } أي : تورث كذلك { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ فَإِن كَانُوۤاْ } أي : الأخوة والأخوات من الأم { أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ } أي : من واحد { فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِ } يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم . قال المجد في ( القاموس ) : الكلالة : من لا ولد له ولا والد ، أو ما لم يكن من النسب لحّا ، أو مَن تكلل نسبه بنسبك ، كابن العم وشبهه ، أو هي الإخوة للأم ، أو بنو العم الأَباعد ، أو ما خلا الوالد والولد . أو هي من العَصَبَة ، من ورث منه الإخوة للأم ، فهذه سبعة أقوال محكية عن أئمة اللغة . وقال ابن برّي : اعلم أَن الكلالة في الأَصل هي مصدر ( كَلّ الميت يَكِلّ كَلاّ ، وكَلالة ) فهو كَلٌّ إِذا لم يخلف ولداً ولا والداً يرِثانه ، هذا أَصلها . قال : ثم قد تقع الكَلالة على العين دون الحدث ، فتكون اسماً للميت الموروث وإِن كانت في الأَصل اسماً للحدث على حدّ قولهم : هذا خلق الله . أي : مخلوق الله . قال : وجاز أَن تكون اسماً للوارث على حد قولهم : رجل عدل أي : عادل . وماء غور أي : غائر . قال : والأَول هو اختيار البصريين من أن الكلالة اسم للموروث ، قال : وعليه جاء التفسير في الآية ، أن الكلالة الذي لم يخلف ولداً ولا والداً ، فإِذا جعلتها للميت ، كان انتصابها في الآية على وجهين : أَحدهما : أَن تكون خبر ( كان ) تقديره : وإِن كان الموروث كلالة ، أي : كلاً ليس له ولد ولا والد . والوجه الثاني : أَن يكون انتصابها على الحال من الضمير في ( يورث ) أي : يورَث وهو كلالة ، وتكون ( كان ) هي التامة التي ليست مفتقرة إِلى خبر . قال : ولا يصح أَن تكون الناقصة ، كما ذكره الحوفيّ ، لأَن خبرها لا يكون إلا الكلالة ، ولا فائدة في قوله ( يورث ) ، والتقدير : إن وقَع أَو حضر رجل يموت كلالة ، أي : يورث وهو كلالة ، أي : كلّ ، وإِن جعلتها للحدث دون العين ، جاز انتصابها على ثلاثة أَوجه : أَحدها : أَن يكون انتصابها على المصدر ، على تقدير حذف مضاف ، تقديره : يورَث وِراثة كَلالةٍ ، كما قال الفرزدق : ورِثْتُم قَناة الملك لا عن كلالة . أي ورثتموها وراثة قرب لا وراثة بعد ؛ وقال عامر بن الطفيل : @ وما سَوّدَتْني عَامِرٌ عن كَلالةٍ أَبى اللهُ أَنْ أَسْمُو بأُمّ ولا أَب @@ ومنه قولهم : هو ابن عَمّ كَلالةً ، أي : بعيد النسب ، فإذا أرادو القرب قالوا : هو ابن عم دِنْيَة . والوجه الثاني : أَن تكون الكلالة مصدراً واقعاً موقع الحال ، على حد قولهم : جاء زيد ركضاً ، أي : راكضاً ، وهو ابن عمي دنيةً أي : دانياً ، وابن عمي كلالة أي بعيداً في النسب والوجه الثالث : أَن تكون خبر ( كان ) على تقدير حذف مضاف ، تقديره : وإِن كان الموروث ذا كَلالة . قال : فهذه خمسة أَوجه في نصب الكلالة : أحدها : أَن تكون خبر ( كان ) والثاني : أَن تكون حالاً . الثالث : أَن تكون مصدراً ، على تقدير حذف مضاف . الرابع : أن تكون مصدراً في موضع الحال . الخامس : أَن تكون خبر ( كان ) على تقدير حذف مضاف ، فهذا هو الوجه الذي عليه أَهل البصرة والعلماء باللغة ، أَعني أن الكلالة اسم للموروث دون الوارث . قال : وقد أَجاز قوم من أَهل اللغة ، وهم أهل الكوفة ، أن تكون الكلالة اسماً للوارث ، واحتجّوا في ذلك بأَشياء : منها قراءة الحسن : وإن كان رجل يورِث كلالة . ( بكسر الراء ) ، فالكَلالة ، على ظاهر هذه القِراءة هي ورثة الميت ، وهم الإِخوة للأم . واحتجّوا أَيضاً بقول جابر أنه قال : يا رسول الله ! إِنما يرِثني كَلالة . فإِذا ثبت حجة هذا الوجه كان انتصاب كَلالة أَيضاً على مثل ما انتصبت في الوجه الخامس من الوجه الأَول ، وهو أَن تكون خبر ( كان ) ويقدر حذف مضاف ؛ ليكون الثاني هو الأَول ، تقديره : وإِن كان رجل يورِث ذا كَلالة ، كما تقول ذا قَرابةٍ ليس فيهم ولد ولا والد ، قال : وكذلك إذا جعلته حالاً من الضمير في ( يورث ) تقديره : ذا كلالة . قال : وذهب ابن جنيّ ، في قراءة من قرأ يورث كلالة ويورّث كلالة ، أن مفعولي ( يُورِث ويُوَرّث ) محذوفان أي يورث وارثَه ماله ، قال : فعلى هذا يبقى ( كلالة ) على حاله الأُولى التي ذكرتها ، فيكون نصبه على خبر ( كان ) أَو على المصدر ، وتكون ( الكَلالة ) للمَوْروث لا للوارث . قال : والظاهر أَن الكلالة مصدر يقع على الوارث وعلى الموروث ، والمصدر قد يقع للفاعل تارة وللمفعول أخرى ، والله أَعلم . قال ابن الأَثير : الأَب والابن طرفان للرجل ، فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه ، فسمي ذهاب الطرفين كلالة . وفي الأساس : ومن والمجاز كلَّ فلان كلالة ، إذا لم يكن ولداً ولا والداً ، أي كلّ عن بلوغ القرابة المماسة . وقال الأزهريّ : ذكر الله الكلالة في سورة النساء في موضعين : أحدهما : قوله : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَو ٱمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ } . والموضع الثاني : قوله تعالى : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } [ النساء : 176 ] . فجعل الكلالة هنا الأخت للأب والأم ، والإخوة للأب والأم ، فجعل للأخت الواحدة نصف ما ترك الميت وللأختين الثلثين ، وللإخوة والأخوات جميع المال بينهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأَخ والأخت من الأم وفي الآية الأُولى ، الثلث ، لكل واحد منهما السدس ، فبين بسِياق الآيتين أَن الكلالة تشتمل على الإخوة للأم مرة ، ومرة على الإخوة والأخوات للأم والأب . ودل قول الشاعر أن الأب ليس بكلالة ، وإن سائر الأولياء من العصبة بعد الولد كلالة ، وهو قوله : @ فإن أبا المرء أحمى له ومولى الكلالة لا يغضب @@ أراد أن أبا المرء أغضب له إذا ظُلِمَ ، وموالي الكلالة ، وهم الإخوة والأعمام وبنو الأعمام وسائر القرابات لا يغضبون للمرء غَضَبَ الأب . انتهى . وروى ابن جرير وغيره عن الشعبيّ قال : قال أبو بكر رحمة الله عليه : إني قد رأيت في الكلالة رأيا ، فإن كان صوابّاً فمن الله وحده لا شريك له ، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان ، والله بريء منه ، أن الكلالة ما خلا الولد والوالد . تنبيه اتفق العلماء على المراد من قوله تعالى : { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } - الأخ والأخت من الأم . وقرأ سعد بن أبي وقاص وغيره من السلف : " وله أخ أو أخت من أم " ، وكذا فسرها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما رواه قتادة عنه . قال الكرخيّ : القراءة الشاذة كخبر الآحاد ، لأنها ليست من قبل الرأي . وأطلق الشافعيّ الاحتجاج بها ، فيما حكاه البويطيّ عنه ، في باب ( الرضاع ) وباب ( تحريم الجمع ) وعليه جمهور أصحابه ، لأنها منقولة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيتها ، انتفاء خصوص خبريتها . وقال القرطبيّ : أجمع العلماء على أن الإخوة ههنا هم الإخوة لأم . قال : ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم ، أو للأب ، ليس ميراثهم هكذا ، فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله تعالى : { وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ } [ النساء : 176 ] - هم الإخوة لأبوين ، أو لأب . لطيفة إفراد الضمير في قوله تعالى : { وَلَهُ أَخٌ } . إما لعَوْده على الميت المفهوم من المقام ، أم على واحد منهما ، والتذكير للتغليب ، أو على الرجل ، واكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه . { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ } حال من ضمير : { يُوصَىٰ } ( على قراءته مبنياً للفاعل ) أي : غير مدخل الضرر على الورثة ، كأن يوصي بأكثر من الثلث ، ومن فاعل فعل مضمر يدل عليه المذكور ( على قراءته مبنياً للمجهول ) وتخصيص هذا القيد بهذا المقام ، لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم . وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس مرفوعاً : " الضرار في الوصية من الكبائر " . ورواه النسائي في : ( سننه ) عن ابن عباس موقوفاً ، وهو الصحيح كما قال ابن جرير . { وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ } مصدر مؤكد لفعل محذوف ، وتنوينه للتفخيم ، كقوله : { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } [ النساء : 11 ] أو منصوب بـ ( غير مضار ) على أنه مفعول به ، فإنه اسم فاعل معتمد على ذي الحال ، أو منفي معنى ، فيعمل في المفعول الصريح ، ويعضده القراءة بالإضافة ، أي غير مضار لوصية الله وعهده في شأن الورثة . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بالمضار وغيره { حَلِيمٌ } لا يعاجل بالعقوبة ، فلا يغتر بالإمهال .