Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 142-142)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } أي : يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان ، وإبطان الكفر ، والله يفعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع ، حيث تركهم معصومي الدماء والأموال في الدنيا ، وأعدّ لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ } أي : أتوها { قَامُواْ كُسَالَىٰ } أي : متثاقلين كالمكره على الفعل ، قال ابن كثير : هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها . وهي الصلاة ، إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها لأنهم لا نية لهم فيها ، ولا إيمان لهم بها ، ولا خشية ، ولا يعقلون معناها . كما روى ابن مردويه عن عطاء عن ابن عباس قال : يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ، ولكن يقوم إليها طلق الوجه عظيم الرغبة شديد الفرح ، فإنه يناجي الله ، وإن الله تجاهه يغفر له ويجيبه إذا دعاه ، ثم يتلو هذه الآية : { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ } . انتهى . قال الحاكم : وفي الآية دلالة على أن من علامات المنافق : الكسل في الصلاة ، والكسل : التثاقل عن الشيء لمشقته ، فهذه الآية في صفة ظواهرهم كما قال : { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ } [ التوبة : 54 ] ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة فقال : { يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ } أي : يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة ليحسبوهم مؤمنين ، لا لإخلاص ومطاوعة أمر الله ، ولهذا يتخلفون كثيراً عن الصلاة التي لا يُرَوْن فيها غالباً ، كصلاة العشاء في وقت العتمة وصلاةِ الصبح في وقت الغلس ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر ، ولو يعلمون ما فيهما ، لأتوهما ولو حبواً ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب ، إلى قوم لا يشهدون الصلاة ، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " وفي رواية : " والذي نفسي بيده ! لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً أو مرْماتين حسنتين لشهد العشاء ، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم " . وروى الحافظ أبو يعلى : عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحسن الصلاة حيث يراه الناس ، وأساءها حيث يخلو ، فتلك استهانة ، استهان بها ربَّه عز وجل " وقوله : { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } فيه وجوه : الأول : معناه ولا يصلون إلا قليلاً ، لأنهم إنما يصلون رياءً ما دام من يرقبهم ، فإذا خلوا بأنفسهم لم يصلوا وتأويل ( الذكر ) بالصلاة ، روي في غير ما آيةٍ عن السلف . الثاني : ولا يذكرون الله في صلاتهم إلا قليلا ، لأنهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون ، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون ، وقد روى الإمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق : يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان ، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " وكذا رواه مسلم والترمذيّ والنسائيّ . الثالث : معناه : ولا يذكرون الله بالتهليل والتسبيح إلا ذكراً قليلاً في الندرة ، على أن الذكر بمعناه المتبادر منه ، وعليه ، فمن علامات النفاق استغراق الأوقات بحديث الدنيا ، وقلة ذكره تعالى بتحميد أو تهليل أو تسبيح ، كما أن من صفات المؤمنين ذكر الله تعالى كثيراً .