Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-1)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } أي : اخشوه أن تخالفوه فيما أمركم به أو نهاكم عنه . ثم نبههم على اتصافه بكمال القدرة الباهرة ، لتأييد الأمر بالتقوى وتأكيد إيجاب الامتثال به على طريق الترغيب والترهيب ، بقوله تعالى { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } أي : فرّعكم من أصل واحد وهو نفس أبيكم آدم ، وخلقهُ تعالى إياهم على هذا النمط البديع مما يدل على القدرة العظيمة ، ومن قدر على نحوه كان قادراً على كل شيء ، ومنه عقابهم على معاصيهم . فالنظر فيه يؤدي إلى الاتقاء من موجبات نقمته ، وكذا جعلُه تعالى إياهم صنواناً مفرعة من أرومة واحدة من موجبات الاحتراز عن الإخلال بمراعاة ما بينهم من حقوق الأخوة . كما ينبئ عنه ما يأتي من الإرشاد إلى صلة الأرحام ، ورعاية حال الأيتام ، والعدل في النكاح وغير ذلك . وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجليّ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر ، وهم مجتابو النمار ( أي من عريهم وفقرهم ) قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } حتى ختم الآية ، ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } [ الحشر : 18 ] ، ثم حضهم على الصدقة فقال : " تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من صاع بره ، من صاع تمره " ، وذكر تمام الحديث . وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة . وفيها : ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } … الآية . { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي : من نفسها ، يعني من جنسها ليكون بينهما ما يوجب التآلف والتضامّ ، فإن الجنسية علة الضم ، وقد أوضح هذا بقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الروم : 21 ] { وَبَثَّ مِنْهُمَا } أي : نشر من تلك النفس وزوجها المخلوقة منها ، بطريق التوالد والتناسل . { رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } أي : كثيرة . وترك التصريح بها للاكتفاء بالوصف المذكور . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } تكرير للأمر وتذكير لبعض آخر من موجبات الامتثال به ، فإن سؤال بعضهم بعضاً بالله تعالى بأن يقولوا : أسألك بالله وأنشدك الله ، على سبيل الاستعطاف ، يقتضي الاتقاء من مخالفة أوامره ونواهيه . وتعليق الاتقاء بالاسم الجليل لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بتربية المهابة وإدخال الروعة ، ولوقوع التساؤل به لا بغيره من أسمائه تعالى وصفاته . و : { تَسَآءَلُونَ } أصله تتساءلون ، فطرحت إحدى التاءين تخفيفاً ، وقرئ بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس ، وقرئ تسألون ( من الثلاثي ) أي : تسألون به غيركم ، وقد فسر به القراءة الأولى والثانية ، وحمل صيغة التفاعل على اعتبار الجمع ، كما في قولك : رأيت الهلال وتراءيْناه - أفاده أبو السعود - وقوله تعالى : { وَٱلأَرْحَامَ } قرأ حمزة بالجر عطفاً على الضمير المجرور ، والباقون بالنصب عطفاً على الاسم الجليل ، أي : اتقوا الله والأرحام أن تقطعوها ، فإن قطيعتها مما يجب أن يتقى ، أو عطفاً على محل الجار والمجرور ، كقولك مررت بزيدٍ وعمراً . وينصره قراءة : { تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } فإنهم كانوا يقرنونها في السؤال والمناشدة بالله عز وجل . ويقولون : أسألك بالله وبالرحم ، ولقد نبه سبحانه وتعالى ، حيث قرنها باسمه الجليل ، على أن صلتها بمكان منه ، كما في قوله تعالى : { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] ، وقال تعالى : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ } [ النساء : 36 ] . وقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " الرحم معلقة بالعرش ، تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله " ورويا أيضاً عن جُبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة قاطع " قال سفيان في روايته : يعني قاطع رحم . وروى البخاريّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " ورويا عن أبي هريرة رضي الله عنه : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه " ، والأحاديث في الترغيب بصلة الرحم والترهيب من قطيعتها كثيرة . تنبيه دلت الآية على جواز المسألة بالله تعالى : كذا قاله الرازيّ ، ووجهه أنه تعالى أقرهم على هذا التساؤل ، لكونهم يعتقدون عظمته ، ولم ينكره عليهم ، نعم من أدّاه التساؤل باسمه تعالى إلى التساهل في شأنه وجعله عرضة لعدم إجلاله ووسيلة للأبواب الساسانية ، فهذا محظور قطعاً . وعليه يحمل ما ورد من لعن من سأل بوجه الله ، كما سنذكره ، وقد ورد في هذا الباب أحاديث وافرة . منها عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن أتى عليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس مرفوعاً : " من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سألكم بوجه الله فأعطوه " وعن ابن عمر مرفوعاً : " من سئل بالله فأعطى كتب له سبعون حسنة " ، رواه البيهقي بإسناد ضعيف . وفي البخاري عن البراء بن عازب : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع " وذكر منها : " وإبرار القسم " وروى أبو داود والضياء في " المختارة " بإسناد صحيح عن جابر مرفوعاً : " لا يُسأل بوجه الله تعالى إلا الجنة " وروى الطبرانيّ عن أبي موسى الأشعريّ مرفوعاً : " ملعون من سأل بوجه الله ، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ، ما لم يسأل هُجْراً " ، قال السيوطيّ : إسناده حسن . وقال الحافظ المنذريّ : رجاله رجال الصحيح إلا شيخه ( يعني الطبرانيّ ) يحيى ابن عثمان بن صالح ، وهو ثقة وفيه كلام . وهُجْراً ( بضم الهاء وسكون الجيم ) أي : ما لم يسأل أمراً قبيحاً لا يليق ، ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالاً قبيحاً بكلام قبيح . انتهى . وعن أبي عبيدة ، مولى رِفاعة ، عن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ملعون من سَأل بوجه الله ، وملعون من سُئل بوجه الله فمنع سائله " ، رواه الطبرانيّ . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بشر الناس ؟ رجل يُسأل بوجه الله ولا يعطي " ، رواه الترمذيّ . وقال : حسن غريب ، والنسائيّ وابن حبان في صحيحه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " ألا أخبركم بشر البرية ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " الذي يُسأل بالله ولا يعطي " " . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } أي : مراقباً لجميع أحوالكم وأعمالكم ، يراها ويعلمها فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، كما قال تعالى : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ المجادلة : 6 ] . وفي الحديث : " اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وهذا إرشاد وأمر بمراقبته تعالى ، فعلى المرء أن يراقب أحوال نفسه ويأخذ حذره من أن ينتهز الشيطان منه فرصة فيهلك على غفلة .