Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 25-25)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } أي : لم يقدر { مِنكُمْ } أيها الأحرار ، بخلاف العبيد ، أن يحصل { طَوْلاً } أي : غني يمكنه به : { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ } أي : الحرائر المتعففات ، بخلاف الزواني إذ لا عبرة بهن { ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } إذ لا عبرة بالكوافر { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم } أي : فله أن ينكح بعض ما يملكه أَيْمَانُ إخوانكم { مِّن فَتَيَٰتِكُمُ } أي : إمائكم حال الرق { ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } لا الكتابية . لأنه لا يحتمل مع عار الرق عار الكفر ، وقد استفيد من سياق هذه الآية أن الله تعالى شرط في نكاح الإماء شرائط ثلاثة : اثنان منها في الناكح والثالث في المنكوحة . أما اللذان في الناكح فأحدهما أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق ، وهو معنى قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } فعدم استطاعة الطول عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة ، فإن قيل : الرجل إذا كان يستطيع التزوج بالأمة ، يقدر على التزوج بالحرة الفقيرة ، فمن أين هذا التفاوت ؟ قلنا : كانت العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن لاشتغالهن بخدمة السادات ، وعلى هذا التقدير يظهر التفاوت . وأما الشرط الثاني فهو المذكور في آخر الآية وهو قوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } أي : الزنا بأن بلغ الشدة في العزوبة . وأما الشرط الثالث المعتبر في المنكوحة ، فأن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة ، فإن الأمة إذا كانت كافرة كانت ناقصة من وجهين : الرق والكفر ، ولا شك أن الولد تابع للأم في الحرية والرق ، وحينئذٍ يعلق الولد رقيقاً على ملك الكافر ، فيحصل فيه نقصان الرق ونقصان كونه ملكاً للكافر ، وما ذكرناه هو المطابق لمعنى الآية ، ولا يخلوا ما عداه عن تكلف لا يساعده نظم الآية . قال الزمخشريّ : فإن قلت : لِمَ كان نكاح الأمة منحطاً عن نكاح الحرة ؟ قلت : لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق ، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها ، ولأنها ممتهنة مبتذلة خرَّاجة ولاَّجة ، وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ، ومهانة ، والعزة من صفات المؤمنين ، وسيأتي مزيد لهذا عند قوله تعالى : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } إشارة إلى أنه لا يشترط الإطلاع على بواطنهن ، بل يكتفي بظاهر إيمانهن ، أي : فاكتفوا بظاهر الإيمان ، فإنه تعالى العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الإيمان ، فرب أمة تفضل الحرة فيه . وقوله تعالى : { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } اعتراض آخر جيء به لتأنيسهم بنكاح الإماء حالتئذ ، أي أنتم وأرقاؤكم متناسبون ، نسبكم من آدم ودينكم الإسلام { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } أي : مواليهن لا استقلالاً ، وذلك لأن منافعهن لهم لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيء منها إلا بإذن من هي له { وَآتُوهُنَّ } أعطوهن { أُجُورَهُنَّ } أي : مهورهن : { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي : بلا مطل وضرار وإلجاء إلى الاقتضاء . واستدل الإمام مالك بهذا على أنهن أحق بمهورهن ، وأنه لا حق فيه للسيد . وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد ، وإنما أضافها إليهن لأن التأدية إليهن ، تأديةٌ إلى سيدهن لكونهن ماله . { مُحْصَنَٰتٍ } حال من مفعول { فَٱنكِحُوهُنَّ } أي : حال كونهن عفائف عن الزنا { غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ } حال مؤكدة . أي غير زانيات بكل من دعاهن { وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ } أي : أخلة يتخصصن بهم في الزنا . قال أبو زيد : الأخدان الأصدقاء على الفاحشة ، والواحد خدن وخدين . وقال الراغب : أكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب بشهوة نفسانية ، ومن لطائف وقوع قوله تعالى : { مُحْصَنَٰتٍ } الخ . إثْرَ قوله : { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } - الإشعار بأنهن لو كن إحدى هاتين ، فلكم المناقشة في أداء مهورهن ليفتدين نفوسهن . { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } أي : بالتزويج ، وقرئ على البناء للفاعل أي أحصن فروجهن أو أزواجهن { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ } أي : فعلن فاحشة وهي الزنا : { فَعَلَيْهِنَّ } أي : فثابت عليهن شرعاً { نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ } أي : الحرائر { مِنَ ٱلْعَذَابِ } أي : من الحد الذي هو جلد مائة فنصفه خمسون جلدة ، لا الرجم . قال المهايميّ : لأنهن من أهل المهانة ، فلا يفيد فيهن المبالغة في الزجر . تنبيه قال ابن كثير : مذهب الجمهور إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة ، سواء كانت مسلمة أو كافرة ، مزوجة أو بكراً ، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء ، وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك . فأما الجمهور فقالوا : لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم ، وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء ، فقدمناها على مفهوم الآية . فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عليّ رضي الله عنه أنه خطب فقال يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحدّ مَنْ أحصن منهن ومن لم يحْصن : فإن أَمَةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت . فأمرني أن أجلدها . فإذا هي حديث عهد بنفاس . فخشيت ، إن أنا جلدتها ، أن أقتلها . فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " أحسنت : اتركها حتى تَمَاثَل " وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه : " فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين " وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر " ولمسلم : " إذا زنت ثلاثاً ، ثم ليبعها في الرابعة " وروى مالك عن عبد الله بن عياش المخزوميّ قال : أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين ، في الزنا . الجواب الثاني : جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها . وإنما تضرب تأديباً ، وهو المحكيّ عن ابن عباس رضي الله عنه ، وإليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وداود بن عليّ الظاهريّ ( في رواية عنه ) وعمدتهم مفهوم الآية ، وهو من مفاهيم الشرط ، وهو حجة عند أكثرهم ، فقدم على العموم عندهم . وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصَن ؟ قال : " إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها . ثم بيعوها ولو بضفيرٍ " " . قال ابن شهاب : لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة ، أخرجاه في الصحيحين . وعند مسلم ، قال ابن شهاب : الضفير : الحبل . قالوا : فلم يُؤقَت فيه عددٌ كما أقت في المحصنة ، وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات ، فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك والله أعلم . وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن ابن عباس مرفوعاً : " ليس على أمةٍ حدٌّ حتى تحصن - يعني تزوج - فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات " . ورواه ابن خزيمة مرفوعاً أيضاً وقال : رفعه خطأ ، إنما هو من قول ابن عباس . وكذا رواه البيهقيّ وقال مثل قول ابن خزيمة . قالوا : وحديث عليّ وعمر قضايا أعيان ، وحديث أبي هريرة عنه أجوبة : أحدها : إن ذلك محمول على الأمة المزوّجة ، جمعاً بينه وبين هذا الحديث . الثاني : أن لفظة الحد في قوله : فليقم عليها الحد ، مقحمة من بعض الرواة : بدليل الجواب الثالث : وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك من رواية أبي هريرة فقط ، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد . وأيضاً فقد رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث عباس بن تميم عن عمه ، وكان قد شهد بدراً . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا زنت الأمة فاجلدوها ، ثم إذا زنت فاجلدوها ، ثم إذا زنت فاجلدوها ، ثم إذا زنت فبيعوها ولو بضفير " الرابِع : أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظ ( الحد ) في الحديث على ( الجلد ) . لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد أو أنه أطلق لفظ ( الحد ) على التأديب ، كما أطلق ( الحد ) على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ ، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها ، مائة . وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه ، كأحمد وغيره من السلف . وإنما الحد الحقيقيّ هو جلد البكر مائة ورجم الثيّب ، انتهى . وله تتمة سابغة . وقال الإمام ابن القيّم في ( زاد المعاد ) : وحكم في الأمة إذا زنت ولم تحصن بالحد . وأما قوله تعالى في الإماء : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } ، فهو نص في أن حدها بعد التزويج نصف حد الحرة من الجلد ، وأما قبل التزويج فأمر بجلدها ، وفي هذا الحد قولان : أحدهما : أنه الحد ، ولكن يختلف الحال قبل التزويج وبعده ، فإن للسيد إقامته قبله ، وأما بعده فلا يقيمه إلا الإمام . والقول الثاني : إنَّ جلْدها قبل الإحصان تعزير لا حدٌّ ، ولا يبطل هذا ما رواه مسلم فى : صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، يرفعه : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يعيرها ، ثلاث مرات ، فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها ولو بضفير " ، وفي لفظ : " فليضربها بكتاب الله " وفي صحيحه أيضاً من حديث عليّ كرم الله وجهه أنه قال : " أيها الناس ! أقيموا على أرقائكم الحد ، من أحصن منهن ومن لم يحصن ، فإن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها " الحديث . فإن التعزير يدخل فيه لفظ ( الحد ) في لسان الشارع ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يضرب فوق عشرة أسواطٍ إلا في حدٍ من حدود الله تعالى " وقد ثبت التعزير بالزيادة على العشرة جنساً وقدراً ، في مواضع عديدة لم يثبت نسخها ، ولم تجتمع الأمة على خلافها . وعلى كل حال ، فلا بد أن يخالف حالها بعد الإحصان حالها قبله ، وإلا لم يكن للتقييد فائدة . فإما أن يُقال قبل الإحصان : لا حد عليها ، والسنة الصحيحة تبطل ذلك . وإما أن يقال : حدها قبل الإحصان حد الحرة ، وبعده نصفه ، وهذا باطل قطعاً ، مخالف لقواعد الشرع وأصوله . وإما أن يقال : حدها قبل الإحصان تعزير ، وبعده حدٌّ ، وهذا أقوى . وإما أن يقال : الافتراق بين الحالين في إقامة الحد لا في قدره ، وإنه في إحدى الحالتين للسيّد ، وفي الأخرى للإمام ، وهذا أقرب ما يقال . وقد يقال : إن تنصيصه على التنصيف بعد الإحصان لئلا يتوهم متوهم أن بالإحصان يزول التنصيف ويصير حدها حد الحرة ، كما أن الجلد عن البِكر يزال بالإحصان وانتقل إلى الرجم ، فبقى على التنصيف في أكمل حالتيها وهى الإحصان ، تنبيهاً على أنه إذا اكتفى به فيها ففي ما قبل الإحصان أولى وأحرى ، والله أعلم . { ذَلِكَ } أي : إباحة نكاح الإماء { لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ } أي : المشقة في التحفظ من الزنا { مِنْكُمْ } أيها الأحرار { وَأَن تَصْبِرُواْ } على تحمل تلك المشقة متعففين عن نكاحهن { خَيْرٌ لَّكُمْ } من نكاحهن ، وإن سبقت كلمة الرخصة ، لما فيه من تعريض الولد للرق ، قال عمر رضي الله عنه : أيما حرّ تزوج بأمة فقد أَرَقَّ نصفه ، ولأن حق المولى فيها أقوى فلا تخلص للزوج خلوص الحرائر ، ولأن المولى يقدر على استخدامها كيفما يريد في السفر والحضر ، وعلى بيعها للحاضر والبادي ، وفيه من اختلال حال الزوج وأولاده ما لا مزيد عليه ، ولأنها ممتهنة مبتذلة خرّاجة ولاّجة ، وذلك كله ذل ومهانة سارية إلى الناكح ، والعزة هي اللائقة بالمؤمنين ، ولأن مهرها لمولاها ، فلا تقدر على التمتع به ولا على هبته للزوج ، فلا ينتظم أمر المنزل ، كذا حرره أبو السعود ، وقد قيل : @ إذا لم يكن في منزل المرء حرة تدبره ضاعت مصالح داره @@ قال في : ( الإكليل ) : في الآية كراهة نكاح الأمة عند اجتماع الشروط ، بقوله تعالى : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .