Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 24-24)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ } أي : وحرمت عليكم المزوجات { مِنَ ٱلنِّسَآءِ } حرائر وإماء ، مسلمات ، أوْ لاَ ، لئلا تختلط المياه فيضيع النسب { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } أي : من اللائي سبين ولهن أزواج في دار الكفر ، فهن حلال لغزاة المسلمين ، وإن كن محصنات ، لأن السبي لهن يرفع نكاحهن ويفيد الحل بعد الاستبراء . روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجة عن أبي سعيد الخدريّ قال : أصبنا سبايا من سبي أوطاس ، ولهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } فاستحللنا فروجهن . تنبيه استدل بعموم الآية من قال : إن انتقال الملك ببيع أو إرث أو غير ذلك يقطع النكاح . عن ابن مسعود قال : إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها ، وعنه : بيع الأمة طلاقها . وروي ذلك أيضاً عن أُبيّ بن كعب وجابر وابن عباس رضي الله عنهم قالوا : بيعها طلاقها . وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : طلاق الأمة ست : بيعها طلاقها ، وعتقها طلاقها ، وهبتها طلاقها ، وبراءتها طلاقها ، وطلاق زوجها طلاقها . كذا قرأته في تفسير ابن كثير ، ولا يخفى أن المعدود خمسة ، ولعل السادس بيع زوجها . حيث قال بعد ذلك : وروى عوف عن الحسن بيع الأمة طلاقها وبيعه طلاقها ، فهذا قول هؤلاء من السلف . وحجتهم عموم الاستثناء في قوله تعالى : { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } والجمهور على أن بيع الأمة ليس طلاقاً لها ، واحتجوا بحديث بريرة المخرَّج في الصحيحين وغيرهما ، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث ، بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء ، فاختارت الفسخ ، وقصتها مشهورة ، فلو كان بيع الأمة طلاقها لما خيرت ، وتخييرها دال على أن المراد من الآية المسبيات فقط ، وبالجملة ، فالجمهور قصروا الآية على السبب الذي نزلت فيه . قال الرازيّ : وهو يرجع إلى تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد ، أي وهو مقبول ومعمول به في غير ما موضع ، كنصاب السرقة ، وفي التنبيه الآتي زيادة لهذا فتأثره . فائدة اتفق القراء على فتح الصاد في : { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ } هنا ، ويقرأ بالفتح والكسر في غير هذا الموضع ، وكلاهما مشهور ، فالفتح على أنهن أُحصنّ بالأزواج أو بالإسلام ، والكسر على أنهن أَحصن فروجهن أو أزواجهن ، واشتقاق الكلمة من الإحصان وهو المنع . { كِتَٰبَ ٱللَّهِ } مصدر مؤكد أي كتب الله { عَلَيْكُمْ } تحريم هؤلاء كتاباً وفرضه قرضاً ، فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده وشرعه { وَأُحِلَّ لَكُمْ } عطف على { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 23 ] { مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } إشارة إلى ما ذكر من المحرمات المعدودة ، أي : أحل لكم نكاح ما سواهن { أَن تَبْتَغُواْ } مفعول له ، أي أحل لكم إرادة أن تبتغوا ، أو بدل من ( ما ) أي ابتغاء النساء { بِأَمْوَٰلِكُمْ } أي : يصرفها إلى مهورهن { مُّحْصِنِينَ } حال من فاعل { تَبْتَغُواْ } ، والإحصان : العفة ، وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم { غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ } غير زانين ، والسفاح : الزنا والفجور ، من السفح وهو الصبّ ، لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة ، وكان أهل الجاهلية ، إذا خطب الرجل المرأة ، قال : انكحيني ، فإذا أراد الزنا قال : سافحيني . قال الزجاج : المسافحة أن تقيم امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح . تنبيه قوله تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } عام مخصوص بمحرمات أخر دلت عليها دلائل أخر ، فمن ذلك ، ما صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها . وقد حكى الترمذيّ المنع من ذلك عن كافة أهل العلم ، وقال : لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك . ومن ذلك ، نكاح المعتدة ، ومن ذلك ، أن من كان في نكاحه حرة ، لا يجوز له نكاح الأمة . ومن ذلك ، القادر على الحرة لا يجوز له نكاح الأمة . ومن ذلك ، من عنده أربع زوجات لا يجوز له نكاح خامسة . ومن ذلك ، الملاعنة فإنها محرمة على الملاعن أبداً ، فالآية مما نزل عامّاً ودلت السنة ومواضع من التنزيل على أنها مخصصة بغيرها . قال الإمام الشافعيّ في الرسالة : [ 244 ] فرض الله عز وجل على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم . [ 245 ] فقال في كتابه : { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } [ البقرة : 129 ] . [ 250 ] وقال : { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] . في آيات نظائرها . قال الشافعيّ : [ 252 ] فَذَكَرَ الله عز وجل الكتاب وهو القرآن . وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ 253 ] وهذا يشبه ما قال ، والله أعلم . [ 254 ] لأن القرآن ذُكِرَ وأُتْبِعَتْهُ الحكمة ، وذَكَرَ الله جل ثناؤه مَنَّهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة ، فلم يجز ، والله أعلم ، أن يقال : الحكمة ههنا إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ 255 ] وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله ، وأن الله افترض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحتَّم على الناس اتباع أمره - فلا يجوز أن يقال لقولٍ : فرضٌ ، إلاّ لكتاب الله ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . [ 256 ] لما وصفنا من أن الله تعالى جل ثناؤه جعل الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم مقروناً بالإيمان به . [ 257 ] وسنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينةً عن الله عز وجل معنى ما أراد - دليلاً على خاصه وعامه ، ثم قرن الحكمة بها بكتابه ، فأتبعها إياه ، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه ، غير رسوله صلى الله عليه وسلم . انتهى . وإنما أوردنا هذا تزييفاً لزعم الخوارج أن حديث : " لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها " المرويّ في الصحيحين وغيرهما ، خبر واحد ، وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يجوز ، كما نقله عنهم الرازيّ ، وأورد من حججهم أن عموم الكتاب مقطوع المتن ظاهر الدلالة ، وخبر الواحد مظنون المتن ظاهر الدلالة ، فكان خبر الواحد أضعف من عموم القرآن ، فترجيحه عليه بمقتضى تقديم الأضعف على الأقوى ، وأنه لا يجوز . انتهى . وقد توسع الرازيّ هنا في الجواب عن شبهتهم ، ومما قيل فيه : إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها مأخوذ من قوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } [ النساء : 23 ] . قال العلامة أبو السعود : ويشترك في هذا الحكم الجمع بين المرأة وعمتها نظائرها ، فإن مدار حرمة الجمع بين الأختين إفضاؤه إلى قطع ما أمر الله بوصله ، وذلك متحقق في الجمع بين هؤلاء ، بل أولى . فإن العمة والخالة بمنزلة الأم ، فقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح المرأة … إلخ " ، من قبيل بيان التفسير ، لا بيان التغيير . وقيل : هو مشهور يجوز به الزيادة على الكتاب . وقال أيضاً : ولعل إيثار اسم الإشارة ( يعني في قوله : { مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } ) المتعرض لوصف المشار إليه وعنوانه ، على الضمير المتعرض للذات فقط - لتذكير ما في كل واحدة منهن من العنوان الذي عليه يدور حكم الحرمة ، فيفهم مشاركة من في معناهن لهن فيها بطريق الدلالة ، فإن حرمة الجمع بين المرأة وعمتها ، وبينها وبين خالتها ، ليست بطريق العبارة ، بل بطريق الدلالة ، كما سلف . انتهى . وفي ( تنوير الاقتباس ) : ويقال في قوله تعالى : { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ } أن تطلبوا بأموالكم تزوجهن وهي المتعة ، وقد نسخت الآن . انتهى . وسيأتي الكلام على ذلك . { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } أي : من تمتعتم به من المنكوحات بالجماع { فَآتُوهُنَّ } فأعطوهن { أُجُورَهُنَّ } مهورهن كاملة { فَرِيضَةً } أي : من الله عليكم أن تعطوا المهر تامّاً ، و ( فريضة ) حال من الأجور ، بمعنى مفروضة ، أو نعت لمصدر محذوف ، أي : إيتاءً مفروضاً ، أو مصدر مؤكد أي : فرض ذلك فريضة . { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } لا حرج عليكم . { فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ } أنتم وهن { مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } أي : من حطها أو بعضها أو زيادة عليها بالتراضي { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } فيما شرع من الأحكام . تنبيه حمل قوم الآية على نكاح المتعة ، قالوا : معنى قوله تعالى : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } أي : فمن جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن . قال الحافظ ابن كثير : وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ، ولا شك أنه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك . وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وكان ابن عباس وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدّيّ يقرؤون : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، فآتوهن أجورهن فريضة " . وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة ، ولكن الجمهور على خلاف ذلك ، والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر " وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة الجهنيّ عن أبيه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس ! إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليُخَل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً " " . انتهى . وفي ( الكشاف ) : قيل نزلت هذه الآية في المتعة ، كان الرجل نكح المرأة وقتاً معلوماً ، ليلة أو ليلتين أو أسبوعاً ، بثبوت أو غير ذلك ، ويقضي منها وطره ثم يسرحها ، سميت متعة لاستمتاعه بها ، أو لتمتيعه لها بما يعطيها . وقال الخفاجي : روي أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله عنهما : أتدري ما صنعت بفتواك ؟ فقد سارت بها الركبان وقيل فيها الشعر ، كقوله : @ قد قلت للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس ؟ هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس ؟ @@ فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ! ما بهذا أفتيت ولا أحللت ، إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم . وقال الإمام شمس الدين بن القيّم رضوان الله عليه في : ( زاد المعاد ) في الكلام على ما في غزوة الفتح من الفقه ، ما نصه : ومما وقع في هذه الغزوة إباحة متعة النساء ، ثم حرمها صلى الله عليه وسلم قبل خروجه من مكة ، واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة على أربعة أقوال : أحدها : إنه يوم خيبر ، وهذا قول طائفة من العلماء ، منهم الشافعي وغيره . والثانى : إنه عام فتح مكة ، وهذا قول ابن عيينة وطائفة . والثالث : إنه عام حنين ، وهذا في الحقيقة هو القول الثانى - لاتصال غزاة حنين بالفتح . والرابع : إنه عام حجة الوداع ، وهو وهم من بعض الرواة ، سافر فيه وهمهُ من فتح مكة إلى حجة الوداع ، وسفرُ الوهم مِن زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ومن واقعة إلى واقعة ، كثيراً ما يعرض للحفاظ فمن دونهم . والصحيح : أن المتعة إنما حرمت عام الفتح ، لأنه قد ثبت في صحيح مسلم أنهم استمتعوا عام الفتح مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بإذنه ، ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرتين ، وهذا لا عهدة بمثله في الشريعة البتة ، ولا يقع مثله فيها . وأيضاً ، فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات ، وإنما كن يهوديات ، وإباحة نساء أهل الكتاب لم تكن ثبتت بعد ، إنما أُبِحْنَ بعد ذلك في سورة المائدة لقوله : { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } [ المائدة : 5 ] ، وهذا متصل بقوله : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] ، وبقوله : { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } [ المائدة : 3 ] ، وهذا كان في آخر الأمر بعد حجة الوداع ، أو فيها ، فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة من خيبر ، ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع . ونساءُ عدوهم قبل الفتح وبعد الفتح ، استرِق من استرق منهم وصرن إماء للمسلمين . فإن قيل : فما تصنعون بما ثبت فى الصحيحين من حديث عليّ بن أبي طالب : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية " وهذا صحيح صريح ؟ قيل : هذا الحديث قد صحت روايته بلفظين : هذا أحدهما . والثانى : الاقتصار على نهي النبيّ صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، هذه رواية ابن عيينة عن الزهريّ . قال : قاسم بن أصبغ : قال سفيان ابن عيينة : يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا عن نكاح المتعة ، ذكره أبو عمر في : ( التمهيد ) : ثم قال : على هذا أكثر الناس انتهى ، فتوهم بعضُ الرواة أن ( يوم خيبر ) ظرف لتحريمهن فرواه : حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر ، والحمر الأهلية ، واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث ، فقال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر ، فجاء بالغلط البيّن . فإن قيل : فأي فائدة في الجمع بين التحريمين إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد ، وأين المتعة من تحريم الخمر ؟ قيل : هذا الحديث رواه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه محتجاً به على ابن عمه عبد الله بن عباس في المسألتين ، فإنه كان يبيح المتعة ولحوم الحمر ، فناظره علي بن أبى طالب في المسألتين وروى له التحريمين ، وقيّد تحريم الحمر زمن خيبر ، وأطلق تحريم المتعة وقال : إنك امرؤ تائه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، كما قاله سفيان بن عيينة ، وعليه أكثر الناس . فروى الأمرين محتجاً عليه بهما ، لا مقيّداً لهما بيوم خيبر . والله الموفق . لكن ههنا نظر آخر : وهو إنه هل حرمها تحريم الفواحش التي لا تباح بحال ، أو حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها للمضطر ؟ هذا هو الذى نظر فيه ابن عباس وقال : أنا أبحتها للمضطر كالميتة والدم ، فلما توسع فيها من توسع ولم يقف عند الضرورة ، أمسك ابن عباس عن الإفتاء بحلّها ورجع عنه ، وقد كان ابن مسعود يرى إباحتها ويقرأ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [ المائدة : 87 ] . ففي الصحيحين عنه : كنا نغزو مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء فقلنا : ألا نختصي ؟ فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ثم قرأ عبد الله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [ المائدة : 87 ] . وقراءة عبد الله الآية عقيب هذا الحديث تحتمل أمرين : أحدهما : الرد على ما يحرمها وأنها لو لم تكن من الطيبات لما أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : أن يكون أراد آخر هذه الآية وهو الرد على من أباحها مطلقاً ، وأنه معتدٍ ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رخص فيها للضرورة عند الحاجة في الغزو ، وعند عدم النساء وشدة الحاجة إلى المرأة ، فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء وإمكان النكاح المعتاد فقد اعتدى والله لا يحب المعتدين . فإن قيل : فما تصنعون بما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر وسلمة بن الأكوع قالا : خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا ( يعني : متعة النساء ) قيل : هذا كان زمنَ الفتح قبل التحريم ثم حرمها بعد ذلك بدليل ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال : رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ، ثم نهى عنها . وعام أوطاس هو وعام الفتح واحد ، لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة . فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : كنا نستمتع بالقَبْضَة من التمر والدقيق ، الأيامَ ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر . حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث . وفيما ثبت عن عمر أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنا أنهى عنهما : مُتعةُ النساءِ ومُتعةُ الحج . قيل : الناس في هذا طائفتان : طائفة تقول : إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون ، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح ، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده ، وقد تكلم فيه ابن معين ، ولم ير البخاريّ إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه ، وكونه أصلاً من أُصول الإسلام ، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه أو الاحتجاج به ، قالوا : ولو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتى يروى أنهم فعلوها ويحتج بالآية . قالوا أيضاً : ولو صح لم يقل عمر : إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها ، بل كان يقول : إنه صلى الله عليه وسلم حرمها ونهى عنها ، قالوا : ولو صح لم يُفعل على عهد الصديق ، وهو عهد خلافة النبوة حقّاً . والطائفة الثانية رأت صحةَ حديث سبرة ، ولو لم يصح ، فقد صح حديث عليّ رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء . فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريمُ ، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه ، فلما وقع فيها ظهر واشتهر ، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها ، وبالله التوفيق . انتهى . هذا ، والذين حملوا الآية على بيان حكم النكاح قالوا : المراد من قوله تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ } الخ أنه إذا كان المهر مقدراً بمقدار معين فلا حرج في أن تحط عنه شيئاً من المهر ، أو تبرئه عنه بالكلية ، بالتراضي ، كما تقدم . وهو كقوله تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] وقوله : { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ } [ البقرة : 237 ] . وقد روى ابن جرير عن حضرميّ أن رجالاً كانوا يقرضون المهر ، ثم عسى أن تُدرك أحدهم العسرة ، فقال الله : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } الخ . يعني إن وضعت لك منه شيئاً فهو لك سائغ . وأما الذين حملوا الآية على بيان المتعة ، قالوا : المراد من نفي الجناح أنه إذا انقضى أجل المتعة لم يبق للرجل على المرأة سبيل البتة ، فإن قال لها : زيديني في الأيام وأزيدك في الأجرة - كانت المرأة بالخيار ، إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل ، فهذا هو المراد من قوله : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } أي من بعد المقدار المذكور أولاً من الأجر والأجل ، أفاده الرازيّ . قال السديّ : إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى ، يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما ، فقال : أتمتع منك أيضاً بكذا وكذا ، فإن شاء زاد قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة ، وهو قوله تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } . قال السديّ : إذا انقضت المدة فليس عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، فلا يرث واحد منهما صاحبه . قال ابن جرير الطبريّ : أولى التأويلين في ذلك بالصواب ، التأويل الأول : لقيام لحجة بتحريم الله تعالى متعة النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى . قال المهايميّ : ثم أشار تعالى إلى نكاح ما يستباح للضرورة كنكاح المتعة . لكنها ضرورة مستمرة لا تنقطع بكثرة الإسلام فقال : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ … } .