Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-36)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } يأمر تعالى بعبادته وحده وبالإخلاص فيها بقوله : { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } كما قال تعالى : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ البينة : 5 ] ، لأنه تعالى هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الأوقات والحالات ، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من الشرك ، الجليّ والخفيّ ، للنفس وشهواتها ، وما يتوصل بها إليها من المال والجاه ، وهذه العبادة حق الله علينا . كما في الصحيحين عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " " يا معاذ ! أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ " . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً " " . ثم أوصى سبحانه بالإحسان إلى الوالدين ، إثر تصدير ما يتعلق بحقوق الله عز وجل التي هي آكد الحقوق وأعظمها ، تنبيهاً على جلالة شأن الوالدين بنظمها في سلكها بقوله : { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً } وقد كثرت مواقع هذا النظم في التنزيل العزيز كقوله : { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } [ لقمان : 14 ] ، { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] ، أي : أحسنوا بهما إحساناً يفي بحق تربيتهما ، فإن شكرهما يدعو إلى شكر الله المقرب إليه مع ما فيه من صلة أقرب الأقارب الموجب لوصلة الله ، وقطعها لقطعه ، ثم عطف على الإحسان إليهما ، الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء ، بقوله : { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي : الأقارب ، وقد جاء في الحديث الصحيح عن سلمان بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم اثنتان : صلة وصدقة " ، رواه الإمام أحمد والترمذيّ والنسائي والحاكم وابن ماجة . ثم قال تعالى : { وَٱلْيَتَٰمَىٰ } وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم فأمر الله بالإحسان إليهم والحنوّ عليهم ، تنزلاً لرحمته عز وجل { وَٱلْمَسَٰكِينِ } وهم المحاويج الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم ، فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم ، وتزول به ضرورتهم { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي : الذي قرب جواره ، أو الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } أي : الذي جواره بعيد ، أو الأجنبيّ ، وقال نوف البكاليّ : الجار ذي القربى ، يعني الجار المسلم ، والجار الجنب يعني اليهوديّ والنصرانيّ . وقد ورد في الوصية بالجار أحاديث كثيرة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " ، أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر . ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذيّ عن عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره " . وروى الإمام أحمد عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يشبع الرجل دون جاره " قال ابن كثير : تفرد به أحمد . وعن المقداد بن الأسود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " " ما تقولون في الزنا ؟ " قالوا : حرمه الله ورسوله ، فهو حرام إلى يوم القيامة . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جار " . قال : فقال : " ما تقولون في السرقة ؟ " ، قالوا حرمها الله ورسوله ، فهي حرام . قال : " لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات ، أيسر عليه من أن يسرق من جاره " " . قال ابن كثير : تفرد به أحمد ، وله شاهد في الصحيحين من حديث ابن مسعود - قال : " سألت ( أو سئل ) رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الذنب عند الله أكبر ؟ قال : " أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك " . قلت : ثم أيّ ؟ قال : " ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قلت : ثم أيّ ؟ قال : " أن تزاني بحليلة جارك " " . وروى الإمام أحمد عن أبي العالية عن رجل من الأنصار قال : " خرجت من أهلي أريد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإذا أنا به قائم ورجل معه مقبل عليه ، فظننت أن لهما حاجة . قال فقال الأنصاريّ : والله ! لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول القيام ، فلما انصرف ، قلت : يا رسول الله ! لقد قام بك الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام . قال : " ولقد رأيته ؟ " . قلت : نعم . قال : " أتدري من هو ؟ " قلت : لا . قال : " ذاك جبريل عليه السلام ، ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " . ثم قال : " أما إنك لو سلمت عليه ردّ عليك السلام " " . ورواه عبد بن حميد عن جابر بن عبد الله قال : " جاء رجل من العوالي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يصليان حيث يصلى على الجنائز ، فلما انصرف قال الرجل : يا رسول الله ! من هذا الرجل الذي رأيت يصلي معك ؟ قال : " وقد رأيته ؟ " قال : نعم قال : " لقد رأيت خيراً كثيراً ، هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رأيت أنه سيورثه " قال ابن كثير : تفرد به من هذا الوجه . وهو شاهد للذي قبله . وروى البزار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجيران ثلاثة : جار له حق واحد ، وهو أدنى الجيران حقّاً ، وجار له حقان ، وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقّاً . فأما الجار الذي له حق واحد فجار مشرك ، لا رحم له ، له حق . وأما الجار الذي له حقان ، فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار . وأما الذي له ثلاثة حقوق : فجار مسلم ذو رحم ، له حق الجوار ، وحق الإسلام ، وحق الرحم " . وقد روى الإمام أحمد والبخاريّ عن عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال : " إلى أقربهما منك باباً " " . وروى الإمام مسلم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر ! إذا طبخت مرقة ، فأكثر ماءها ، وتعاهد جيرانك " وفي رواية قال : " إذا طبخت مرقا فأكثر ماءها ثم انظر إلى أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف " . وروى الشيخان عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " " والله ! لا يؤمن ، والله ! لا يؤمن ، والله لا يؤمن " . قيل : ومن يا رسول الله ! قال : " الذي لا يأمن جاره بوائقه " " . ولمسلم : " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " والبوائق : الغوائل والشرور . ورويا عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا نساء المؤمنات ! لا تحقرن جارة لجارتها ، ولو فرسن شاة " معناه : ولو أن تهدي لها فرسن شاة ، وهو الظلف المحرق ، وأراد به الشيء الحقير . ورويا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره " وقوله تعالى : { وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } قال سعيد بن جبير : هو الرفيق الصالح . وقال زيد بن أسلم : هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر ، أي : فإنه كالجار . وأوضحه الزمخشري بقوله : هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك ، إما رفيقا في سفر . وإما جاراً ملاصقاً ، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة ، وإما قاعداً إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك ، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه ، فعليك أن تراعي ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان . وروي عن علي وابن مسعود قالا : هي المرأة ، أي : لأنها تكون معك وتضجع إلى جنبك { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } أي : ابن الطريق ، أي المسافر الغريب الذي انقطع عن بلده وأهله ، وهو يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به ، نُسِبَ إلى السبيل الذي هو الطريق لمروره عليه وملابسته له ، أو الذي يريد البلد غير بلده ، لأمر يلزمه . وقال ابن عرفة : هو الضيف المنقطع به ، يعطى قدر ما يتبلغ به إلى وطنه . وقال ابن برّيّ : هو الذي أتى به الطريق ، كذا في ( تاج العروس ) ، ولم يذكر السلف من المفسرين وأهل اللغة ( السائل ) في معنى ابن السبيل ، لأنه جاء تابعاً لابن السبيل في البقرة ، في قوله تعالى : { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } [ البقرة : 177 ] - إلى قوله : { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ } [ البقرة : 177 ] . قال بعضهم في ( ابن السبيل ) : @ ومنسوب إلى ما لم يلده كذاك الله نَزَّلَ في الكتاب @@ { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } يعني : المماليك ، فإنهم ضعفاء الحيلة ، أسرى في أيدي الناس كالمساكين ، لا يملكون شيئاً ، وقد ثبت عن عليّ عليه السلام " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت ، يقول : " الصلاة الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم " رواه أبو داود وابن ماجة وهذا لفظ أبي داود . وروى الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة " ورواه النسائي . قال الحافظ ابن كثير وإسناده صحيح ولله الحمد . وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له : هل أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال : لا ، قال : فانطلق فأعطهم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته " رواه مسلم . وعن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " رواه مسلم أيضاً . وعنه أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتى أحَدكم خادمُه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين ، أو لقمة أو لقمتين ، فإنه وَلِيّ حرَّه وعلاجه " أخرجاه ولفظه للبخاريّ . وعن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " هم إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم " أخرجاه . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } أي : متكبراً عن الإحسان إلى من أُمِرَ ببرّه . { فَخُوراً } يعدّد مناقبه كبراً ، وإنما خص تعالى هذين الوصفين بالذم ، في هذا الموضع ، لأن المختال هو المتكبر ، وكل من كان متكبراً فإنه قلما يقوم برعاية الحقوق ، ثم أضاف إليه ذم الفخور لئلا يقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الرياء والسمعة ، بل لمحض أمر الله تعالى . روى أبو داود والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الكبر من بطر الحق وغَمَطَ الناس " . وروى ابن جرير عن أبي رجاء الهرويّ قال : لا تجد سيئ المَلَكَة ( المِلْكة ) إلا وجدته مختالاً فخوراً ، وتلا : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ … } الآية ، ولا عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً وتلا : { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } [ مريم : 32 ] وقد ورد في ذم الخيلاء والفخر ما هو معروف .