Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 5-5)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } اعلم أن في الآية وجوهاً يحتملها النظم الكريم : الأول : أن يراد بالسفهاء اليتامى كما روي عن سعيد بن جبير . والخِطابُ حينئذ للأولياء ، نهوا أن يؤتوا اليتامى أموالهم مخافة أن يضيعوها لقلة عقولهم ، لأن السفيه هو الخفيف الحلم ، وإنما أضيفت للأولياء ، وهي لليتامى ، تنزيلاً لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء ، فكأن أموالهم عين أموالهم ، لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسيّ والنسبيّ ، مبالغة في حملهم على المحافظة عليها ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } [ النساء : 29 ] أي : لا يقتل بعضكم بعضاً حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم ، مبالغةً في زجرهم عن قتلهم ، فكأن قتلهم قتل أنفسهم ، وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطاً لمعاش أصحابها بجعلها مناطاً لمعاش الأولياء ، بقوله تعالى : { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } أي : جعلها الله شيئاً تقومون وتنتعشون ، فلو ضيعتموها لضعتم . وقوله تعالى : { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } أي : اجعلوها مكاناً لرزقهم وكسوتهم ، بأن تتجروا وتتربحوا ، حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال . وقوله سبحانه : { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أي : كلاماً ليناً تطيب به نفوسهم ، ومنه أن يعدهم عدة جميلة ، بأن يقول وليهم : إذا صلحتم ورشدتم ، سلمنا إليكم أموالكم . الوجه الثاني : أن يراد بالسفهاء النساء والصبيان ، روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما ، فالخطاب عام والنهي لكل أحد أن يعمدَ إلى ما خوّله الله تعالى من المال فيعطيه امرأته وأولاده ، ثم ينظر إلى أيديهم ، وإنما سماهم سفهاء استخفافاً واستهجاناً لجعلهم قواماً على أنفسهم . قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول : لا تعمد إلى مالك خوّلك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم . الوجه الثالث : أن يراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال ، فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام كل من كان موصوفاً بهذه الصفة . قال الرازي : وهذا القول أولى ، لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز . قال السيوطيّ في : ( الإكليل ) : في هذه الآية الحجر على السفيه ، وأنه لا يمكّن من ماله ، وأنه ينفق عليه منه ويكسي ، ولا ينفق في التبرعات ، وأنه يقال له معروف كـ : ( إن رشدت دفعنا إليك مالك ، وإنما يحتاط لنفعك ) . واستدل بعموم الآية من قال بالحجر على السفيه البالغ ، سواء طرأ عليه أم كان من حين البلوغ ، ومن قال بالحجر على من يُخدع في البيوع ، ومن قال بأن من يتصدق على محجور ، وشرط أن يترك في يده ، لا يسمع منه في ذلك . لطيفة في قوله تعالى : { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } حث على حفظ الأموال وعدم تضييعها . قال الزمخشري : كان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن ، ولأنْ أترك مالاً يحاسبني الله عليه ، خير من أن أحتاج إلى الناس . وعن سفيان ، وكانت له بضاعة يقلبها : لولاها لتمندل بي بنو العباس . وعن غيره ( وقيل له : إنها تدنيك من الدنيا ) : لأن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها ، وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا ، فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه ، وربما رأوا رجلاً في جنازة ، فقالوا له : اذهب إلى دكانك . انتهى .