Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 6-6)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ } أي : اختبروا عقولهم ومعرفتهم بالتصرف { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } أي : بأن يحتلموا أو يبلغوا خمس عشرة سنة . لما في الصحيحين عن ابن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أُحُد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني . قال نافع : فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال : إن هذا لحَدٌّ بين الصغير والكبير ، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة ، وكذا نبات الشعر الخشن حول العورة ، لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عطية القرظيّ قال : عُرِضنا على النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ، ومن لم ينبت خليّ سبيله ، فكنت فيمن لم ينبت ، فخليّ سبيلي ، قال الترمذيّ : حسن صحيح . { فَإِنْ آنَسْتُمْ } أي : شاهدتم وتبينتم . { مِّنْهُمْ رُشْداً } أي : صلاحاً في دينهم وحفظاً لأموالهم ، قاله سعيد بن جبير ، وروي عن ابن عباس والحسن وغير واحد من الأئمة . { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } أي : من غير تأخير . وظاهر الآية الكريمة أن من بلغ غير رشيد إما بالتبذير أو بالعجز أو بالفسق ، لا يسلم إليه ماله لأنها مفسدة للمال . { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ } أيها الأولياء . { إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } أي : مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم ، تفرّطون في إنفاقها وتقولون : ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا . { وَمَن كَانَ } من الأولياء . { غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } أي : يتنزه عن أكل مال اليتيم ، فإنه عليه كالميتة والدم ، وليقنع بما آتاه الله تعالى من الزرق . { وَمَن كَانَ فَقِيراً } يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن الكسب ، وإهمالُه يفضي إلى تلفه عليه . { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } بقدر حاجته الضرورية وأجرة سعيه وخدمته . كما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة حيث قالت : فليأكل بالمعروف بقدر قيامه عليه ، ورواه البخاريّ أيضاً . قال ابن كثير : قال الفقهاء : له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله ، وقد حاجته ، وهل يردّ إذا أيسر ؟ وجهان : أحدهما : لا يرد لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً ، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعيّ ، لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل . وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : ليس لي مال ولي يتيم ، فقال : " كل من مال يتيمك غير مسرف ، ولا مبذر ولا متأثل مالاً ، ومن غير أن تقي مالك ، أو قال : ( تفدي مالك بماله ) " ورواه ابن أبي حاتم ولفظه : " كل بالمعروف غير مسرف " ، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة . وروى ابن حبان في : ( صحيحه ) وابن مردويه في : ( تفسيره ) عن جابر : " أن رجلاً قال : يا رسول الله ! مما أضرب يتيمي ؟ قال : " مما كنت ضارباً منه ولدك ، غير وَاقٍ مالك بماله ، ولا متأثل منه مالاً " وروى عبد الرزاق عن الثوريّ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال : جاء أعرابيّ إلى ابن عباس فقال : إن في حجري أيتاماً ، وإن لهم إبلاً ، ولي إبل وأنا أمنح من إبلي فقراء ، فماذا يحل لي من ألبانها ؟ فقال : إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباها ، وتلوط حوضها ، وتسعى عليها ، فاشرب غير مضرّ بنسل ، ولا ناهك في الحلب ، ورواه مالك في موطئه . وبهذا القول ، وهو عدم أداء البدل ، يقول عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعيّ وعطية العوفيّ والحسن البصريّ . والوجه الثاني : يردّ ؛ لأن مال اليتيم على الحظر ، وإنما أبيح للحاجة ، فيردّ بدله . كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة . وقد روى ابن أبي الدنيا عن حارثة بن مضرب قال : قال عمر رضي الله عنه : إني أنزلت نفسي من هذا المال منزلة والي اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن احتجت استقرضت ، فإذا أيسرت قضيت . وروى سعيد بن منصور في : ( سننه ) : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء قال : قال لي عمر رضي الله عنه : إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه ، فإذا أيسرت رددته ، وإن استغنيت استعففت ، قال ابن كثير : إسناد صحيح . وروى البيهقيّ عن ابن عباس نحو ذلك ، وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } يعني القرض ، قال : وروي عن عبيدة وأبي العالية وأبي وائل ، وسعيد بن جبير ( في إحدى الروايات ) ومجاهد والضحاك والشعبيّ والسدّيّ نحو ذلك . قال الفخر الرازيّ : وبعض أهل العلم خص هذا الإقراض بأصول الأموال من الذهب الفضة وغيرها . وأما التناول من ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال ، وهذا قول أبي العالية وغيره ، واحتجوا بأن الله تعالى قال : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } فحكم في الأموال بدفعها إليهم . انتهى . أقول : الكل محتمل . إذ لا نص من الأصلين على واحد منها ، ولا يخفى الورع . { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } أي : بعد البلوغ والرشد . { فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } أي : عند الدفع بأنهم قبضوها ، فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة . قال السيوطيّ : فيه الأمر بالإشهاد ندباً ، وقيل : وجوباً ، ويستفاد منه أن القول في الدفع قول الصبيّ ، لا الولي . فلا يقبل قوله إلا ببينة . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي : كافياً في الشهادة عليكم بالدفع والقبض ، أو محاسباً ، فلا تخالفوا ما أمركم به ، ولا يخفى موقع هذا التذييل هنا ، فإن الوصيّ يحاسب على ما في يده . وفيه وعيد لوليّ اليتيم وإعلام له أنه تعالى يعلم باطنه كما يعلم ظاهره ، لئلا ينوي أو يعمل في ماله ما لا يحل ، ويقوم بالأمانة التامة في ذلك إلى أن يصل إليه ماله . وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تَأمّرَنّ على اثنين ولا تَوَلّيَنَّ مال يتيم " . ثم ذكر تعالى أحكام المواريث بقوله سبحانه : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ … } .