Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 66-66)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } قال الرازيّ : اعلم أن هذه الآية متصلة بما تقدم من أمر المنافقين وترغيبهم في الإخلاص وترك النفاق ، والمعنى : إنا لو شدّدنا التكليف على الناس ، نحو أن نأمرهم بالقتل والخروج عن الأوطان ، لصعب ذلك عليهم ، ولما فعله إلا الأقلون ، وحينئذ يظهر كفرهم وعنادهم فلما لم نفعل ذلك ، رحمة منا على عبادنا ، بل اكتفينا بتكليفهم في الأمور السهلة ، فليقبلوها بالإخلاص ، وليتركوا التمرد والعناد ، حتى ينالوا خير الدارين . انتهى . ونقله فيما بعدُ عن ابن عباس ، وعليه فمرجع الضمير في { عَلَيْهِمْ } إلى المنافقين ، وثمة وجه آخر ، وهو عوده إلى الناس كافة ، ويكون المراد بـ ( القليل ) المؤمنين ، وأما الضمير في قوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ } فهو مختص بالمنافقين ، ولا يبعد أن يكون أول الآية عاماً وآخرها خاصاً ، قرره الرازيّ ، روى ابن جرير بسنده إلى أبي إسحاق السبيعي قال : لما نزلت : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ … } الآية ، قال رجل : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن من أمتي لرجالاً ، الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " ، ورواه ابن أبي حاتم نحوه ، وأسند عن السدي قال : افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود ، فقال اليهودي : والله ! لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا ، فقال ثابت : والله ! لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلنا ، فنزلت الآية ، وأسند أيضاً عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم " ، وأسند أيضاً عن شريح بن عبيد قال : لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، أشار بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال : " لو أن الله كتب ذلك ، لكان هذا من أولئك القليل " . تنبيهات الأول : قال بعض المفسرين : أراد حقيقة القتل والخروج من الديار ، وقيل : أراد التعرض للقتل بالجهاد ، وأراد الهجرة بالخروج من الديار ، والمعنى : لو أمر المنافقين ، كما أمر المؤمنين ، ما فعلوه . انتهى . والقول الثاني بعيد ، لأنه لا يعدل عن الحقيقة إلا لضرورة ، ولمنافاته للآثار المذكور الصريحة في الأول . الثاني : الضمير في ( فعلوه ) للمكتوب الشامل للقتل والخروج ، لدلالة ( كتبنا ) عليه ، أو هو عائد على أحد مصدري الفعلين ، قال الخفاجيّ : وللعطف بـ ( أو ) لزم توحيد الضمير . انتهى . أقول : ذكر الشيخ خالد في ( التصريح ) أن إفراد الضمير في العطف بـ ( أو ) رأي البصريين ، والتثنيةُ رأي الكوفيين ، فأفاد جواز الوجهين ، قال محشيه العلامة يس : الذي نص عليه ابن مالك أن ( أو ) التي للشك والإبهام يفرد بعدها الضمير ، والتي للتنويع يطابق ، نحو قوله تعالى : { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } [ النساء : 135 ] ، ونص على ذلك ابن هشام في ( المغني ) في ( بحث الجملة المعترضة ) ، فقال ( في قوله تعالى : { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } ) : الظاهر أن الجواب : { فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } ، ولا يرد ذلك تثنية الضمير كما قد توهموا ، لأن ( أو ) هنا للتنويع ، حكمها حكم ( الواو ) في وجوب المطابقة ، نصّ عليه الأبدي وهو الحق . انتهى . وبه يعلم أن ما اشتهر من أنه إذا ذكر متعاطفان بـ ( أو ) فإنه يعاد الضمير إلى أحدهما - ليس على عمومه . الثالث : قرأ ابن عامر ( قليلا ) بالنصب على الاستثناء ، والباقون بالرفع بدلاً من الضمير المرفوع : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } أي : من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته والانقياد لما يحكم به ظاهراً وباطناً ، وسميت أوامر الله ونواهيه مواعظ ، لاقترانها بالوعد والوعيد : { لَكَانَ } أي : فعلهم ذلك { خَيْراً لَّهُمْ } في عاجلهم وآجلهم { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } أي : لإيمانهم ، وأبعد من الاضطراب .