Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 84-84)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } تلوين الخطاب ، وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الالتفات . وهو جواب شرط محذوف ينساق إليه النظم الكريم ، أي : إذا كان الأمر ، كما حكى من عدم طاعة المنافقين وكيدهم ، فقاتل أنت وحدك غير مكترث بما فعلوا ، قاله أبو السعود . { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أي : إلا فعل نفسك ، بالتقدم إلى الجهاد ، فإن الله هو ناصرك ، لا الجنود ، فإن شاء نصرك وحدك ، كما ينصرك وحولك الألوف ، أي : ومن نكل ، فلا عليك منه ولا تؤاخذ به . قال الرازيّ : دلت الآية على أنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق وأعرفهم بكيفية القتال ، لأنه تعالى ما كان يأمره بذلك إلا وهو صلى الله عليه وسلم موصوف بهذه الصفات ، ولقد اقتدى به أبو بكر رضي الله عنه حيث حاول الخروج وحده إلى قتال مانعي الزكاة ، ومن علم أن الأمر كله بيد الله ، وأنه لا يحصل أمر من الأمور إلا بقضاء الله ، سهل ذلك عليه . وروى ابن أبي حاتم عن أبي إسحاق قال : سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقي المائة من العدو فيقاتل ، فيكون ممن قال الله فيه : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [ البقرة : 195 ] ؟ قال : قد قال الله تعالى لنبيه : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } . ورواه الإمام أحمد أيضاً عنه قال : قلت للبراء : الرجل يحمل على المشركين ، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال : لا ، إن الله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك إنما ذلك في النفقة " { وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : على الخروج معك وعلى القتال ورغبهم فيه وشجعهم عليه ، كما قال لهم صلى الله عليه وسلم ، يوم بدر ، وهو يسوي الصفوف : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك ، منها : ما رواه البخاريّ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ } أي : يمنع : { بَأْسَ } أي : قتال : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم كفار مكة أي : بتحريضك إياهم على القتال ، تبعث هممهم على مناجزة الأعداء ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله ، ومقاومتهم ومصابرتهم . قال أبو السعود : وقوله تعالى : { عَسَى … } الخ عِدَةٌ منه سبحانه وتعالى محققة الإنجاز بكف شدة الكفرة ومكروههم ، فإن ما صدر بـ ( لعل وعسى ) مقرر الوقوع من جهته عز وجل ، وقد كان كذلك ، حيث روي في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان ، بعد حرب أُحُد ، موسم بدر الصغرى في ذي القعدة ، فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج ، وخرج في شعبان سنة أربع في سبعين راكباً ، ووافوا الموعد وألقى الله تعالى في قلوب الذين كفروا الرعب ، فرجعوا من مرّ الظهران . انتهى . بزيادة . وقال في ذلك عبد الله بن رواحة ( وقيل كعب بن مالك ) : @ وعدنا أبا سفيان بدراً فلم نجد لميعاده صدقاً وما كان وافياً فأُقسمُ لو وافيتنا فلقيتنا لأُبْت ذميما ، وافتقدت المواليا تركنا بها أوصال عُتبة وابنه وعمراً ، أبا جهل ، تركناه ثاوياً عَصيتم رسول الله ، أُفٍ لدينكم وأمركم السَّيْئ ، الذي كان غاوياً فإني ، وإن عنفتموني لَقَائِلٌ فِدًى لرسول الله أهلي وماليا أطعناه لم نَعدِلْهُ فينا بغيره شهاباً لنا في ظلمة الليل هاديا @@ { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً } أي : شدة وقوة من قريش : { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي : تعذيباً وعقوبة . قال ابن كثير : أي : هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } [ محمد : 4 ] . انتهى . قال الخفاجيّ : والقصد التهديد أو التشجيع . ثم أشار تعالى إلى أن التحريض على القتال شفاعة في تكفير الكبائر ورفع الدرجات فقال : { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً … } .