Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 85-85)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً } أي : يتوسط في أمر فيترتب عليه خير من دفع ضر ، أو جلب نفع ، ابتغاءً لوجه الله تعالى ، ومنه حمل المؤمنين على قتال الكفار { يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا } وهو ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها { وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً } وهي ما كانت بخلاف الحسنة ، بأن كانت في أمر غير مشروع { يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } أي : نصيب من وزرها الذي ترتب على سعيه ، مساوٍٍ لها في المقدار من غير أن ينقص منه شيء . فوائد الأولى : قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : في الآية مدح الشفاعة وذم السعاية . وهي الشفاعة السيئة ، وذكر الناس عند السلطان بالسوء ، وهي معدودة من الكبائر . الثانية : روي في فضل الشفاعة أحاديث كثيرة ، منها ما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال : " اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب " وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بَريرة وزوجها قال : " قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " لو راجعتِهِ " ! قالت : يا رسول الله ! تأمرني ؟ قال : " إنما أنا أشفع " ، قالت : لا حاجة لي فيه " ، رواه البخاريّ . الثالثة : قال مجاهد والحسن والكلبيّ وابن زيد : نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض ، فما يجوز في الدين أن يشفع فيه ، فهو شفاعة حسنة ، وما لا يجوز أن يشفع فيه ، فهو شفاعة سيئة . ثم قال الحسن : من يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر ، وإن لم يشفَّع ، لأن الله تعالى يقول : { وَمَن يَشْفَعْ } ، ولم يقل : من يشفّع ، ويتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : " اشفعوا تؤجروا " ، نقله الرازيّ . الرابعة : قال الزمخشري : الشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم ، ودفع بها عنه شر ، أو جلب إليه خير ، وابتغي بها وجهُ الله ، ولم تؤخذ عليها رشوة ، وكانت في أمر جائز ، لا في حد من حدود الله ، ولا في حق من الحقوق ، يعني الواجبة عليه ، والسيئة ما كان بخلاف ذلك ، وعن مسروق : أنه شفع شفاعة ، فأهدى إليه المشفوع جاريةً فغضب وردها ، وقال : لو علمتُ ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك ، ولا أتكلم فيما بقي منها . انتهى . وروى أبو داود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شفع لأخيه بشفاعة ، فأهدى له هدية عليها ، فقبلها ، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الكبائر " وهذا الحديث أورده أيضاً المنذريّ في ( كتاب الترغيب والترهيب ) في ترجمة ( الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم ، وما جاء فيمن شفع فأهدي إليه ) ثم ساق حديث الشيخين وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة ، فرج الله عنه كربة من كرب الدنيا يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " وروى الطبراني بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من ما عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرّم ، فقد عرّض تلك النعمة للزوال " وروي نحوه عن عائشة وابن عُمر وابن عَمرو . وروى الطبرانيّ وابن حبان في ( صحيحه ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بّرٍ أو تيسير عسير ، أعانه الله إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام " وفي رواية للطبرانيّ عن أبي الدرداء : " رفعه الله في الدرجات العلا من الجنة " وروى الطبراني عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم " ورواه عن عمر مرفوعاً بلفظ : " أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن " ورواه بنحو ذلك أيضاً عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم ، انظر الترغيب . الخامسة : نكتة اختيار النصيب في ( الحسنة ) والكفل في ( السيئة ) ما أشرنا إليه ، وذلك أن النصيب يشمل الزيادة ، لأن جزاء الحسنات يضاعف ، وأما الكفل فأصله المركب الصعب ، ثم استعير للمثل المساوي ، فلذا اختير ، إشارةً إلى لطفه بعباده ، إذ لم يضاعف السيئات كالحسنات ، ويقال : إنه وإن كان معناه المثل لكنه غلب في الشر وندر في غيره ، كقوله تعالى : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } [ الحديد : 28 ] فلذا خص به السيئة تطْرية وهرباً من التكرار . و ( مِنْ ) بيانية أو ابتدائية ، أفاده الخفاجيّ { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } أي : مقتدراً ، من ( أقات على الشيء ) إذا اقتدر عليه كما قال : @ وذي ضِغنٍ كففتُ النفس عنه وكنتُ على مساءته مُقيتا @@ أي رب ذي حقد عليّ كففت السوء عنه مع القدرة عليه ، أو شهيداً حافظاً ، واشتقاقه من ( القوت ) فإنه يقويّ البدن ويحفظه ، وقوله تعالى : { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ … } .