Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 8-8)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } أي : قسمة التركة { أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } ذوو القرابة ممن لا يرث . قدّمهم لأن إعطاءهم صدقة وصلة { وَٱلْيَتَامَىٰ } الضعفاء بفقد الآباء { وَٱلْمَسَاكِينُ } الضعفاء بفقد ما يكفيهم من المال { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } أي : أعطوهم من الميراث شيئاً { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } بتلطيف القول لهم والدعاء لهم بمثل : بارك الله عليكم . قال ابن كثير في هذه الآية : المعنى : أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون ، واليتامى والمساكين ، قسمة مال جزيل ، فإن أنفسهم تتشوق إلى شيء منه ، إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ ، وهم يائسون لا يعطونه شيئاً ، فأمر الله تعالى ، وهو الرؤوف الرحيم أن يُرْضخ لهم شيء من الوسط ، يكون برًا بهم وصدقة عليهم وإحساناً إليهم وجبراً لكسرهم كما قال اللّه تعالى : { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ] . وذم الذين ينقلون المال خفية ، خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الْفاقة ، كما أخبر به عن أصحاب الجنة : { إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ … فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } [ القلم : 17 - 24 ] . { دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ] فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه ولهذا جاء في الْحديث : " ما خالطت الصدقة مالاً إلا أفسدته " أي منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية . انتهى . وقد روى البخاريّ عن ابن عباس ، في الآية قال : هي محكمة وليست بمنسوخة ، وفي لفظ عنه : هي قائمة يعمل بها . وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين ، في هذه الآية : أنها واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم . وروى عبد الرزاق في ( مصنفه ) أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن ، وعائشة حية ، فلم يدع في الدار مسكيناً ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه ، وتلا : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } … الآية . وأخرج سعيد بن منصور عن يحيى بن يعمر قال : ثلاث آيات مدنيات محكمات ضيّعهن كثير من الناس : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } ، وآية الاستئذان : { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } [ التوبة : 58 ] ، وقوله : { إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [ الحجرات : 13 ] . وقد ذكر ههنا كثير من المفسرين آثاراً عن بعض السلف بأن هذه الآية منسوخة بآية الميراث ، وهي من الضعف بمكان ، ولقد أبعد القائل بالنسخ عن فهم سر الآية فيما ندبت إليه من هذه المكرمة الجليلة ، وهي إسعاف من ذكر من المال الموروث ، والنفسُ الأبية تنفر من أن تأخذ المال الجزل ، وذو الرحم حاضر محروم ، ولا يسعَف ولا يساعَد ، فالآية بينة بنفسها ، واضحة في معناها وضوح الشمس في الظهيرة ، لا تنسخ أو تقومَ الساعة .