Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 9-9)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية وجوه : الأول : أنها أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريّهم الضعاف بعد وفاتهم . الثاني : أنها أمر لمن حضر المريض من العوّاد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم ، فلا يتركوه أن يضرّ بهم بصرف المال عنهم : الثالث : أنها أمر للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين ، متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافاً مثلهم ، هل يجوّزون حرمانهم ؟ الرابع : أنها أمر للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية . كما ثبت في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال : يا رسول الله ! إني ذو مال ولا يرثني إلى ابنة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : " لا " ، قال : فالشطر ؟ قال : " لا " ، قال : فالثلث ، قال : " الثلث . والثلث كثير " ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " " . وفي الصحيح عن ابن عباس قال : لو غض الناس إلى الربع ؟ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الثلث : والثلث كثير ( أو كبير ) " . والوجه الأول حكاه ابن جرير من طريق العوفيّ عن ابن عباس ، قال ابن كثير : وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلماً . ونقل الرازي عن القاضي : إن هذا الوجه أليق بما تقدم وتأخر من الآيات الواردة في باب الأيتام ، فجعل تعالى آخر ما دعاهم إلى حفظ مال اليتيم أن ينبههم على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها ، ولا شك أنه من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود . قال الزمخشري : والقول السديد من الأوصياء أن لا يؤذوا اليتامى ، ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب ، ويدعوهم بـ ( يا بنيّ ) ويا ولدي ، ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له ، إذا أراد الوصية : لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك ، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد : " إنك إن تترك ولدك أغنياء ، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " ، ومن المتقاسمين ميراثهم أن يلطفوا القول ويجملوه للحاضرين . لطيفة لا بد من حمل قوله تعالى : { تَرَكُواْ } على المشارفة : ليصح وقوع { خَافُواْ } خبراً له ، ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت وترك الورثة ، ونظيره : { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [ البقرة : 231 ] ، أي : شارفن بلوغ الأجل ، ولهذا المجاز ، في التعبير عن المشارفة على الترك ، بالترك ، سِرٌ بديع ، وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة ، ولا في الذبّ عن الذرية الضعاف ، وهي الحالة التي وإن كانت من الدنيا ، إلا أنها لقربها من الآخرة ، ولصوقها بالمفارقة ، صارت من حَيّزها ، ومعبراً عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك ، كذا في الانتصاف . تنبيه قال بعض المفسرين : إنه يجب أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه . ويحب لذرية غيره من المؤمنين ما يحب لذريته ، وأن على وليّ اليتيم ألا يؤذي اليتيم ، بل يكلمه كما يكلم أولاده بالأدب الحسن والترحيب ، ويدعو اليتيم : يا بنيّ ، يا ولدي ، وقد جاء في الرقة على الأيتام آثار كثيرة . اهـ . وفي الآية إشارة إلى إرشاد الآباء الذي يخشون ترك ذرية ضعاف ، بالتقوى في سائر شؤونهم حتى تحفظ أبناؤهم وتغاث بالعناية منه تعالى ، ويكون في إشعارها تهديد بضياع أولادهم إن فقدوا تقوى الله تعالى ، وإشارة إلى أن تقوى الأصول تحفظ الفروع . وأن الرجال الصالحين يحفظون في ذريتهم الضعاف ، كما في آية : { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } [ الكهف : 82 ] ، إلى آخرها ، فإن الغلامين حُفِظا ، ببركة صلاح أبيهما ، في أنفسهما ومالهما .