Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 97-97)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } روى البخاريّ عن ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يأتي السهم فيُرْمَى به فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يُضرب فيُقتل ، فأنزل الله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ … } الآية وأخرجه ابن مردويه ، وسمى منهم ( في روايته ) قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبا قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، وعمرو بن أمية بن سفيان ، وعليّ بن أمية بن خلف ، وذكر في شأنهم أنهم خرجوا إلى بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا : غر هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر . وأخرجه ابن أبي حاتم ، وزاد : منهم الحارث بن زمعة بن الأسود ، والعاص بن منبه بن الحجاج . وأخرج الطبرانيّ عن ابن عباس قال : كان قوم بمكة قد أسلموا ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا ، فأنزل الله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } إلى قوله : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } . وأخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس قال : كان قوم من أهل مكة قد أسلموا ، وكانوا يخفون الإسلام ، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر ، فأصيب بعضهم ، فقال المسلمون : هؤلاء كانوا مسلمين ، فأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنزلت : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ … } الآية ، فكتبوا بها إلى من بقي منهم ، وإنه لا عذر لهم فخرجوا ، فلحق بهم المشركون ففتنوهم فرجعوا ، فنزلت : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } [ العنكبوت : 10 ] ، فكتب إليهم المسلمون بذلك فتحزنوا ، فنزلت : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ … } [ النحل : 110 ] الآية ، فكتبوا إليهم بذلك فخرجوا ، فلحقوهم ، فنجا وقتل من قتل . وأخرج ابن جرير من طرق كثيرة نحوه ، كذا في ( لباب النقول ) . قال المهايميّ : ولما أوهم ما فُهِم مما تقدم ، من تساوي القاعدين أولي الضرر والمجاهدين ، أن من قعد عن الجهاد لكونه في دار الكفر محسوب منهم ، وإن عجز عن إظهار دينه ، فإن لم يحسب فلا أقل من أن يحسب من القاعدين غير أولي الضرر ، الموعود لهم الحسنى - أزيل ذلك الوهم بأنهم بترك الهجرة من مكان لا يمكنهم فيه إظهار دينهم ، مع إمكان الخروج عنه ، صاروا ظالمين مستحقين لتوبيخ الملائكة ، بل لعذاب جهنم ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } أي : في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة عن مكان لا يمكنهم فيه إظهار دينهم مع القدرة عليها وبموافقة الكفار . و { تَوَفَّاهُمُ } يجوز أن يكون ماضياً كقراءة من قرأ : ( توفتهم ) ومضارعاً بمعنى تتوفاهم ، بمعنى : أن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها ، أي : يمكنهم من استيفائها فيستوفونها ، كذا في ( الكشاف ) . و ( الظلم ) قد يراد به الكفر كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] وقد يراد به المعصية كقوله : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } [ فاطر : 32 ] ، ويصح إرادة المعنيين هنا كما أشرنا ، روى أبو داود عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " . { قَالُواْ } أي : الملائكة للمتوفين ، تقريراً بتقصيرهم وتوبيخاً لهم { فِيمَ كُنتُمْ } أي : في أي شيء كنتم من أمور دينكم { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } أي : أرض الأعداء ، قال الزمخشريّ : كيف صح وقوع قوله : { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } جواباً عن قولهم : { فِيمَ كُنتُمْ } وكان حق الجواب : كنا في كذا أو لم نكن في شيء ؟ قلت : معنى : { فِيمَ كُنتُمْ } التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا ، فقالوا : { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ } اعتذاراً مما وبخوا به ، واعتلالاً بالاستضعاف ، وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا في شيء ، فبكتتهم الملائكة بقولهم : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } أرادوا : إنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ، ومن الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة ، وهذا دليل على أن الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب ، والعوائق عن إقامة الدين لا تنحصر ، أو علم أنه في غير بلده أقوم بحق الله وأدوم على العبادة - حقت عليه المهاجرة . انتهى . { فَأُوْلَـٰئِكَ } أي : النفر المذكور { مَأْوَاهُمْ } أي : مصيرهم { جَهَنَّمُ } لأنهم الذين ضعّفوا أنفسهم إذ لم يلجئهم الأعداء إلى مساكنة ديارهم { وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي : جهنم ، بدل المصير إلى دار الهجرة ، ثم استثنى سبحانه من أهل الوعيد ما بينه بقوله تعالى : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ … } .