Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 96-96)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ دَرَجَاتٍ مِّنْهُ } بدل من ( أَجْراً ) بدل الكل ، مبيّن لكمية التفضيل و { مِّنْهُ } متعلق بمحذوف وقع صفة لـ { دَرَجَاتٍ } دالة على فخامتها وجلالة قدرها ، قاله أبو السعود . وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " . وقال الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " من رمى بسهم فله أجره درجة " ، فقال رجل : يا رسول الله ! وما الدرجة ؟ فقال : " أما إنها ليست بعتبة أمك : ما بين الدرجتين مائة عام " { وَمَغْفِرَةً } أي : لذنوبهم { وَرَحْمَةً } فوق الأجر ودرجاته { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } تذييل مقرر لما وعد من المغفرة والرحمة ، وههنا . فوائد : الأولى : دلت الآية على أن الجهاد ليس بفرض عين ، إذ لو كان فرضاً من فروض الأعيان لم يكن للقاعد فضل ، ولكن تفاوت الفضل بينه وبين المجاهد ، وقال : وكلاً وعد الله الحسنى . الثانية : دلت أيضاً على أن الجهاد أفضل من القرب التي يفعلها القاعد ، لأنه فضّله على القاعد مطلقاً ، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم : " الجهاد سنام الدين " وقد فرّع العلماء على هذا أن رجلاً لو وقف ماله على أحسن وجوه البر ، أو أوصى أن يصرف في أحسن وجوه البّر ، فإنه يصرف في الجهاد ، خلاف ما ذكر أبو عليّ أنه يصرف في طلب العلم ، كذا في بعض التفاسير . الثالثة : قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : في الآية تفضيل المجاهدين على غيرهم ، وأن المعذورين في درجة المجاهدين ، واستدل بقوله { بِأَمْوَٰلِهِمْ } على تفضيل المجاهدين بمال نفسه على المجاهد بمال يعطاه من الديون أو نحوه . الرابعة : قال الرازيّ : لقائل أن يقول : إنه تعالى قال : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } [ التوبة : 111 ] فقدم ذكر النفس على المال ، وفي الآية التي نحن فيها وهي قوله : { ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } [ النساء : 95 ] قدم ذكر المال على النفس ، فما السبب ؟ وجوابه : أن النفس أشرف من المال ، فالمشتري قدم ذكر النفس تنبيهاً على أن الرغبة فيها أشد ، والبائع أخر ذكرها تنبيهاً على أن المضايقة فيها أشد ، فلا يرضى ببذلها إلا في آخر المراتب . الخامسة : قال أبو السعود : لعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة ، وتقييده بدرجة وأخرى بدرجات ، مع اتحاد المفضل والمفضل عليه ، حسبما يقتضيه الكلام ويستدعيه حسن النظام - إما لتنزيل الاختلاف العنوانيّ بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتيّ تمهيداً لسلوك طريق الإبهام ، ثم التفسير رَوماً لمزيد التحقيق والتقرير ، كما في قوله تعالى : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ هود : 58 ] ، كأنه قيل : فضل المجاهدين على القاعدين درجة لا يقادَرُ قدرها ، ولا يبلغ كنهها ، وحيث كان تحقيق هذا البون البعيد بينهما موهماً لحرمان القاعدين ، قيل : { وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ النساء : 95 ] ثم أريد تفسير ما أفاده التنكير بطريق الإبهام ، بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة ، فقيل ما قيل ، ولله درّ شأن التنزيل ، وإما للاختلاف بالذات بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات ، على أن المراد بالتفضيل الأول ما خولهم الله تعالى عاجلاً في الدنيا من الغنيمة والظفر والذكر الجميل الحقيق بكونه درجة واحدة ، وبالتفضيل الثاني ما أنعم به في الآخرة من الدرجات العالية الفائتة للحصر ، كما ينبئ عن تقديم الأول وتأخير الثاني ، وتوسيط الوعد بالجنة بينهما ، وقد وسط بينهما في الذكر ما هو متوسط بينهما في الوجود ، أعني الوعد بالجنة ، وتوضيحاً لحالهما ومسارعة إلى تسلية المفضول ، والله سبحانه أعلم .