Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 21-23)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } { أَمْ } منقطعة ، فيها معنى ( بل والهمزة ) ولا بد من سبق كلام ، خبراً أو إنشاء ، يضرب عنه ويقرر ما بعده . وما سبق قوله : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } [ الشورى : 13 ] إلخ فهو معطوف عليه ، وما بينهما من تتمة الأول . والمراد بشركائهم ، إما شياطينهم لأنهم شاركوهم في الكفر وحملوهم عليه ، وإما أوثانهم ، وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء وإن لم تكن كذلك في الحقيقة . وعلى الثاني ، فإسناد الشرع إليها ؛ لأنها سبب ضلالهم وافتتانهم بما تدينوا به ، أو لأنها على صورة المشّرع الذي سنّ هذه الضلال لهم ، ويجوز كون الاستفهام المقدّر حينئذ للإنكار . أي : ليس لهم شرع ولا شارع . كما في قوله : { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } [ الأنبياء : 43 ] . { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } أي : القضاء السابق بأن الجزاء في القيامة لا في الدنيا . أو لولا ما وعدهم الله به من أنه يفصل بينهم ويبيّن في الآخرة . فالفصل بمعنى البيان { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي : لفرغ من الحكم بين الكافرين والمؤمنين ، بتعجيل العذاب للكافرين { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * تَرَى ٱلظَّالِمِينَ } أي : يوم البعث { مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ } أي : من السيئات { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } أي : نازل بهم لا محالة { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ * ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي : لا أسألكم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به ، والنصيحة التي أنصحكم ، ثوابا وجزاء وعوضا من أموالكم تعطونيه { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي : أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم ، وتصلوا الرحم التي بيننا ، ولا يكن غيركم ، يا معشر قريش ، أولى بحفظي ونصرتي ومودتي منكم . قال الشهاب : المودة مصدر مقدر بـ ( أن والفعل ) . والقربى مصدر كالقرابة . و ( في ) للسببية . وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة . والخطاب ، إما لقريش أو لجميع العرب ، لأنهم أقرباء في الجملة . انتهى . والاستثناء منقطع . ومعناه نفي الأجر أصلاً ؛ لأن ثمرة مودتهم عائدة إليهم ؛ لكونها سبب نجاتهم . فلا تصلح أن تكون أجراً له . وقيل : المعنى أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم . وقيل { ٱلْقُرْبَىٰ } التقرّب إلى الله تعالى . أي : إلا أن تتوددوا إلى الله فيما يقربكم إليه . والمعنى الأول هو الذي عوّل عليه الأئمة . ولم يرتض ابن عباس رضي الله عنه ، غيره . ففي البخاريّ عنه أنه سئل عن قوله تعالى : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } فقال سعيد بن جبير : القربى آل محمد . فقال ابن عباس : عجلت . إن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة . فقال : " إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة " . قال ابن كثير : انفرد به البخاريّ - أي : عن مسلم - ورواه الإمام أحمد . وهكذا روى الشعبيّ والضحاك وعليّ بن أبي طلحة والعوفي ويوسف بن مهران وغير واحد عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، مثله . وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسّدّيّ وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم . وروى الحافظ أبو القاسم الطبرانيّ عن ابن عباس قال : قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي ، لقرابتي منكم ، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم " وروى الإمام أحمد عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجراً ، إلا أن تودّوا الله تعالى ، وأن تقرَّبوا إليه بطاعته " وهكذا روي عن قتادة والحسن البصريّ مثله . وأما رواية أنها نزلت بالمدينة فيمن فاخر العباس من الأنصار ، فإسناده ضعيف . على أن السورة مكية . وليس يظهر بين الآية وتلك الرواية في هذا السياق مناسبة . وكذا ما رواه ابن أبي حاتم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا : " يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال : " فاطمة وولدها رضي الله عنهم " ، فإن في إسناده مبهما لا يعرف ، عن شيخ شيعيّ ، وهو حسين الأشقر ، فلا يقبل خبره في هذا المحل وذكر نزول الآية في المدينة بعيد ، فإنها مكية . ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية . فإنها لم تتزوج بعليّ رضي الله عنه إلا بعد بدر السنة الثانية من الهجرة . والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ، كما رواه عنه البخاريّ . ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم . فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً . ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية . كما كان عليه سلفهم ، كالعباس وبنيه وعليّ وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين ، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : " إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي . وإنهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض " وروى الإمام أحمد عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : " قلت : يا رسول الله ، إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن ، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها . قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال : " والذي نفسي بيده ! لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله " " . هذا ملخّص ما أورده ابن كثير رحمه الله تعالى ، وسبقه في الإيساع في ذلك تقيّ الدين ابن تيمية في ( منهاج السنة ) من أوجه عديدة . قال في الوجه الثالث : إن هذه الآية في سورة الشورى . وهي مكية باتفاق أهل السنة . بل جميع آل " حم " مكيات . وكذلك آل " طس " . ومن المعلوم أن عليّاً إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر . والحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة . والحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة . فكيف يفسر النبيّ صلى الله عليه وسلم الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف ولم تخلق . ثم قال : الوجه الرابع : إن تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك . فهذا ابن عباس ترجمان القرآن وأعلم أهل البيت ، بعد عليّ ، يقول : ليس معناها مودة ذوي القربى . ولكن معناها لا أسألكم يا معشر العرب , ويا معشر قريش عليه أجراً ، لكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم . فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أوّلاً ، أن يصلوا رحمه فلا يعتدوا عليه حتى يبلغ رسالة ربه . الوجه الخامس : أنه قال : { لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } لم يقل : إلا المودة للقربى ولا المودة لذوي القربى . فلو أراد المودة لذوي القربى لقال : المودة لذوي القربى كما قال : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ الأنفال : 41 ] ، وقال : { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ الحشر : 7 ] ، وكذلك قوله : { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } [ الإسراء : 26 ] ، وقوله : { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ البقرة : 177 ] ، وهكذا في غير موضع . فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وذوي قربى الإنسان ، إنما قيل فيها : ( ذوي القربى ) . لم يقل : ( في القربى ) . فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم ، دل على أنه لم يرد ( ذوي القربى ) . الوجه السادس : أنه لو أريد المودة لهم لقال : المودّة لذوي القربى ، ولم يقل : في القربى ، فإنه لا يقول : من طلب المودة لغيره : أسألك المودة في فلان ، ولا في قربى فلان . ولكن أسألك المودة لفلان ، والمحبة لفلان . فلما قال المودة في القربى ، علم أنه ليس المراد لذوي القربى . الوجه السابع : أن يقال إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجراً البتة . بل أجره على الله كما قال : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ ص : 86 ] ، وقوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [ الطور : 40 ، القلم : 46 ] وقوله : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } [ سبأ : 47 ] ، ولكن الاستثناء هنا منقطع ، كما قال : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] ، ولا ريب أن محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة . لكن لم يثبت وجوبها بهذه الآية ، ولا محبتهم أجر للنبي صلى الله عليه وسلم . بل هو مما أمرنا الله به كما أمرنا بسائر العبادات . وفي الصحيح عنه أنه خطب أصحابه بغدير يدعى ( خما ) بين مكة والمدينة فقال : " أذكركم الله في أهل بيتي " وفي السنن عنه أنه قال : " والذي نفسي بيده ! لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي " فمن جعل محبة أهل بيته أجراً له يوفيه إياه ، فقد أخطأ خطأ عظيماً . ولو كان أجراً له لم نُثَبْ عليه نحن ، لأنا أعطيناه أجره الذي يستحقه بالرسالة . فهل يقول مسلم مثل هذا ؟ . الوجه الثامن : إن ( القربى ) معرفة باللام . فلا بد أن يكون معروفاً عند المخاطبين الذين أمر أن يقول لهم : { لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } وقد ذكر أنها لما نزلت ، لم يكن قد خلق الحسن والحسين ، ولا تزوج عليّ بفاطمة . فالقربى التي كان المخاطبون يعرفونها ، يمتنع أن تكون هذه . بخلاف القربى التي بينه وبينهم ، فإنها معروفة عندهم ، كما تقول : ( لا أسألك إلا المودة في الرحم التي بيننا ) ، وكما تقول : ( لا أسألك إلا العدل بيننا وبينكم ) ، ( ولا أسألك إلا أن تتقي الله في هذا الأمر ) . انتهى { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } أي يكتسب طاعة { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } أي : بمضاعفته { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } أي : لمن تاب وأناب { شَكُورٌ } لسعيهم بتضعيف جزاء حسناته .