Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 18-18)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } يعني : بيعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب ، وعلى ألا يفرّوا ، ولا يولوهم الدبر ، تحت شجرة هناك . وقد أجمع الرواة في الصحاح على أن الشجرة لم تُعْلمْ بعدُ . ففي الصحيحين من حديث أبي عوانة عن طارق ، عن سعيد بن المسيّب قال : كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة . قال : فانطلقنا من قابل حاجّين ، فخفي علينا مكانها ، وإن كانت بينت لكم ، فأنتم أعلم . وفيهما أيضاً عن سفيان قال : إنهم اختلفوا في موضعها . وروى ابن جرير عن قتادة ، عن سعيد بن المسيّب قال : كان جدي يقال له : ( حزن ) ، وكان ممن بايع تحت الشجرة ، فأتيناها من قابل ، فَعُمِّيَتْ علينا . ثم قال ابن جرير : وزعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال : أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول : هنا ، وبعضهم يقول : ههنا ! فلما كثر اختلافهم قال : سيروا ، هذا التكلّف ، فذهبت الشجرة ، وكانت سمرة ، إما ذهب بها سيل ، وإما شيء سوى ذلك . انتهى . وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) : روى ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع ؛ أن عمر بلغه أن قوماً يأتون الشجرة ، فيصلّون عندها ، فتوعّدهم ، ثم أمر بقطعها ، فقطعت ! . ولا ينافي ما تقدم ، لاحتمال أن هؤلاء علموا مكانها ، أو توهّموها ، فاتخذوها مسجداً ، ومكاناً مقدساً ، فقطعها عمر حالتئذ ، صوناً لعقيدتهم من الشرك ؛ لأن الاجتماع على العبادة حولها يفضي إلى عبادتها بعدُ ، كما أفضى نصب الأوثان إلى عبادتها ، وكان أول أمرها لتعظيم مسمياتها ، وإجلال مثال أصحابها . وقال في ( الفتح ) أيضاً في شرح ابن عمر ، وقوله : رجعنا من العام المقبل ، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها . كانت رحمة من الله ، ما مثاله : وقد وافق المسّيب بن حزن ، والد سعيد ، ما قاله ابن عمر من خفاء الشجرة . والحكمة في ذلك ألا يحصل بها افتتان ، لما وقع تحتها من الخير ، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهّال لها ، حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر ، كما تراه الآن مشاهداً فيما هو دونها . وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله : ( كان رحمة من الله ) أي : كان خفاؤها عليهم ، بعد ذلك ، رحمة من الله تعالى . انتهى . وهذه البيعة تسمى بيعة الرضوان ؛ سميت لهذه الآية ، وتقدمت قصتها مفصلة . { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } أي : من الصدق والعزيمة على الوفاء بالعهد { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } أي : الصبر والطمأنينة والوقار . { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } قال ابن جرير : أي : وعوّضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة ، بقتالهم أهلها فَتْحاً قَرِيباً ، وذلك - فيما قيل - فتح خيبر .