Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 13-13)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } أي : من آدم وحواء ، أو من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء . أي : من أب وأم ، فما منكم أحد إلا هو يدلي بمثل ما يدلي به الآخر ، سواء بسواء ، فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب . { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ } قال ابن جرير : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضاً نسباً بعيداً ، وبعضكم يناسب بعضاً نسباً قريباً . ليعرف بعضكم بعضاً في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقربة تقربكم إلى الله ، بل كما قال تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } أي : أشدكم اتقاء له وخشية بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتاً ، ولا أكثركم عشيرة . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } أي : بظواهركم وبواطنكم ، وبالأتقى والأكرم ، وغير ذلك ، لا تخفى عليه خافية . تنبيهات الأول : حكى الثعالبيّ في ( فقه اللغة ) في تدريج القبيلة من الكثرة إلى القلة عن ابن الكلبيّ عن أبيه : أن الشَّعب ( بفتح الشين ) أكبر من القبيلة ، ثم القبيلة ، ثم العمارة ، ( بكسر العين ) ثم البطن ، ثم الفخذ ، وعن غيره : الشعب ، ثم القبيلة ، ثم الفصيلة ، ثم العشيرة ، ثم الذرية ، ثم العترة ، ثم الأسرة . انتهى . وقال الشيخ ابن برّي : الصحيح في هذا ما رتبه الزبير بن بكار وهو : الشعب ، ثم القبيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ ، ثم الفصيلة ، قال أبو أسامة : هذه الطبقات على ترتيب خلق الْإِنْسَاْن ، فالشعب أعظمها ، مشتق من شعب الرأس ، ثم القبيلة من قبيلة الرأس لاجتماعها ، ثم العمارة وهي الصدر ، ثم البطن ، ثم الفصيلة وهي الساق . وزاد بعضهم العشيرة فقال : @ اقصد الشَّعب فهو أكثر حيّ عدداً في الحواء ثم القبيله ثم يتلوها العِمارة ثم الْـ ـبَطْنُ والفخذُ بعدها والفصيلهْ ثم من بعدها العشيرة لكن هي في جنب ما ذكرنا قليلهْ @@ فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصيّ بطن ، وهاشم فخذ ، والعباس فصيلة . وسميت ( الشعوب ) لأن القبائل تشعبت منها . و ( الشعوب ) جمع شعب ، بفتح الشين . قال أبو عبيد البكريّ في ( شرح نوادر أبي علي القالي ) : كل الناس حكى الشعب في القبيلة بالفتح ، وفي الجبل بالكسر ، إلا بندار فإنه رواه عن أبي عبيدة بالعكس . نقله الزبيديّ في ( تاج العروس ) . الثاني : في الآية الاعتناء بالأنساب ، وأنها شرعت للتعارف ، وذم التفاخر بها ، وأن التقيّ غير النسيب ، يقدم على النسيب غير التقيّ ، فيقدم الأروع في الإمامة على النسيب غيرهما . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : سألت مالكاً عن نكاح الموالي العربية فقال : حلال ، ثم تلا هذه الآية ، فلم يشترط في الكفاءة الحرية - نقله في ( الإكليل ) . وقال ابن كثير : استدل بالآية ، من ذهب إلى أن الكفاءة في النكاح لا تشترط ، ولا يشترط سوى الدين . الثالث : أفاد قوله تعالى : { لِتَعَارَفُوۤاْ } حصر حكمة جعلهم شعوباً وقبائل فيه . أي : إنما جعلناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضاً ، فتصلوا الأرحام ، وتبينوا الأنساب والتوارث ، لا للتفاخر بالآباء والقبائل . قال الشهاب : الحصر مأخوذ من التخصيص بالذكر ، والسكوت في معرض البيان . قال القاشانيّ : معنى قوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } لا كرامة بالنسب ، لتساوي الكل في البشرية المنتسبة إلى ذكر وأنثى . والامتياز بالشعوب والقبائل إنما يكون لأجل التعارف بالانتساب ، لا للتفاخر ، فإنه من الرذائل . والكرامة لا تكون إلا بالاجتناب عن الرذائل الذي هو أصل التقوى . ثم كلما كانت التقوى أزيد رتبة ، كان صاحبها أكرم عند الله ، وأجل قدراً . فالمتقي عن المناهي الشرعية ، التي هي الذنوب ، في عرف ظاهر الشرع ، أكرم من الفاجر ، وعن الرذائل الخلقية كالجهل والبخل والشره والحرص والجبن ، أكرم من المجتنب عن المعاصي الموصوف بها . انتهى . الرابع : روي في معنى الآية أحاديث كثيرة ، منها ما رواه البخاريّ عن أبي هريرة قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيّ الناس أكرم ؟ قال : " أكرمهم عند الله أتقاهم " . قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : " فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله " . قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : " فعن معادن العرب تسألوني ؟ " قالوا : نعم . قال : " فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " " . وروى مسلم عنه أيضاً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " . وروى الإمام أحمد عن أبي ذر قال : إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له : " انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود ، إلا أن تفضله بتقوى الله " . وروى البزار في مسنده عن حذيفة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان " . وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر ؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم فتح مكة : " أيها الناس ، إن الله تعالى قد أذهب عنكم عَيْبَةَ الجاهلية وتعظمها بآبائها . فالناس رجلان : رجل بَرٌّ تقيّ كريم على الله تعالى ، ورجل فاجر يُتَّقَى ، هين على الله تعالى . إن الله عز وجل يقول : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ … } الآية " . وبقيت أحاديث أخر ساقها ابن كثير ، فانظرها . وروى الطبريّ عن عطاء قال : قال ابن عباس : ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله وقال : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وقال الناس : أكرمكم أعظمكم بيتاً . قال عطاء : نسيت الثالثة . ولما كانت طليعة السورة في الحديث عن جفاة الأعراب ، والإنكار على مساوئ أخلاقهم ، ثم تأثرها من المناهي عن المنكرات التي تكثر فيهم ، ما كانوا فيها هم المقصود أولاً وبالذات ، ثم غيرهم ثانياً وبالعرض ختمها بتعريف أن من كان على شاكلتهم في ارتكاب تلك المناهي ، فهو ممن لم يخامر فؤاده الإيمان ، ثم بيان مَن المؤمن حقاً ، ليفقهوا أن الأمر ليس كما يزعمون ، فقال سبحانه وتعالى : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا … } .