Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-1)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال ابن جرير : أي : يا أيها الذين أقرّوا بوحدانية الله ، ونبوّة نبيّه صلى الله عليه وسلم ، لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم ، قبل أن يقضيَ الله لكم فيه ورسوله ، فتقضوا بخلاف أمر الله ، وأمر رسوله . محكيّ عن العرب : فلان يقدم بين يدي إمامه ، بمعنى : يعجل الأمر والنهي دونه . انتهى . و : { تُقَدِّمُواْ } إما متعد حذف مفعوله ؛ لأنه أريد به العموم ، أو أنه نزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى المفعول ، كما تقول : فلان يعطي ويمنع ، أو هو لازم ، فإن ( قدم ) يرد بمعنى ( تقدم ) كبيّن ، فإنه متعد ، ويكون لازماً بمعنى تبيّن . وفي هذه الجملة تجوّزان : أحدهما : في ( بين اليدين ) ، فإن حقيقته ما بين العضوين ، فتجوز بهما عن الجهتين المقابلتين لليمين والشمال ، قريباً منه بإطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما . فهو من المجاز المرسل ، ثم استعيرت الجملة استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء ، ومتابعة لمن يلزم متابعته ، تصويراً لهجنته وشناعته ، بصور المحسوس ، كتقدم الخادم بين يدي سيده في مسيره ، فنقلت العبارة الأولى ، بما فيها من المجاز ، إلى ما ذكر ، على ما عرف أمثاله - هذا محصل ما في ( الكشاف ) و ( شروحه ) . قال ابن كثير : معنى الآية : لا تسرعوا في الأشياء قبله ، بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور ، حتى يدخل في عموم هذا الأدب حديث معاذ رضي الله عنه . قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن : " " بم تحكم ؟ " قال : بكتاب الله تعالى . قال صلى الله عليه وسلم : " فإن لم تجد ؟ " قال : بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال صلى الله عليه وسلم : " فإن لم تجد ؟ " قال رضي الله عنه : أجتهد رأيي ! فضرب في صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله " وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذيّ وابن ماجه . والغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ، ولو قدمه قبل البحث عنهما ، لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله . انتهى . وقد جوز أن يكون المراد ( بين يدي رسول الله ) وذكر ( الله ) لبيان قوة اختصاصه به تعالى ، ومنزلته منه ، تمهيداً وتوطئة لما بعده . وقد أيد هذا ، بأن مساق الكلام لإجلاله صلى الله عليه وسلم . تنبيه قال ابن جرير : بضم التاء من قوله : { لاَ تُقَدِّمُواْ } قرأ قراءة الأمصار ، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها ، لإجماع الحجة من القراء عليها . وقد حكى عن العرب : قدّمت في كذا وتقدمت في كذا . فعلى هذه اللغة لو كان قيل : ( لا تقدموا ) بفتح التاء ، كان جائزاً . انتهى . وبه قرأ يعقوب فيما نقل عنه . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي : في التقديم أو مخالفة الحكم . والأمر بالتقوى على أثر ما تقدم ، بمنزلة قولك للمقارف بعض الرذائل : لا تفعل هذا ، وتحفظ مما يلصق العار بك . فتنهاه أولاً عن عين ما قارفه ، ثم تعمّ وتأمره بما لو امتثل أمرك فيه ، لم يرتكب تلك الفعلة ، وكل ما يضرب في طريقها ، ويتعلق بسببها - أشار له الزمخشري . { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : فحقيق أن يُتَّقى ويُراقب . تنبيه في ( الإكليل ) : قال الكيا الهراسيّ : قيل : نزلت في قوم ذبحوا قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن يعيدوا الذبح . وعموم الآية النهي عن التعجيل في الأمر والنهي ، دونه . ويحتج بهذه الآية في اتباع الشرع في كل شيء . وربما احتج به نفاة القياس ، وهو باطل منهم . ويحتج به في تقديم النص على القياس . انتهى .