Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 2-2)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } أي : إذا نطق ونطقتهم ، فلتكن أصواتكم قاصرة عن الحدّ الذي يبلغه صوته ، ليكون عالياً لكلامكم ، لا أن تغمروا صوته بلغطكم ، وتبلغوا أصواتكم إلى أسماع الحاضرين قبل صوته ، فإن ذلك من سوء الأدب بمكان كبير { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي : بل تعمدوا في مخاطبته القول اللين ، القريب من الهمس ، الذي يضادّ الجهر ، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم . وروي عن مجاهد تفسيره بندائه باسمه ، أي : لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضاً : يا محمد ، يا محمد ، بل يا نبي الله ، يا رسول الله ، ونظر فيه شراح ( الكشاف ) بأن ذكر الجهر حينئذ لا يظهر له وجه ، إذ الظاهر أن يقال : لا تجعلوا خطابه كخطاب بعضكم لبعض ، كما مر في قوله : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [ النور : 63 ] . انتهى . ولك أن تقول : إنما أفرغ هذا المعنى المروي عن مجاهد في قالب ذاك اللفظ الكريم جرياً على سنة التنزيل في إيثار أرق الألفاظ والجمل ، وألطفها في ذلك ، فإن أسلوبه فوق كل أسلوب . وقد قالوا : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ } أي : مخافة أن تحبط أعمالكم ، برفع صوتكم فوق صوته ، وجهركم له بالقول كجهركم لبعضكم { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أي : لا تعلمون ، ولا تدرون بحبوطها . تنبيه استدلت المعتزلة بالآية على أن الكبائر محبطة للأعمال ؛ لأن المذكور في الآية كبيرة محبطة ولا فرق بينها وبين غيرها . ولما كان عند أهل السنة ، المحبط للأعمال هو الكفر خاصة ، تأولوا الآية بأنها للتغليظ والتخويف ، إذ جعلت بمنزلة الكفر المحبط ، أو هي للتعريض بالمنافقين المقاصدين بالجهر والرفع الاستهانة ، فإن فعلهم محبط قطعاً . وقال الناصر : المراد في الآية النهي عن رفع الصوت على الإطلاق . ومعلوم أن حكم النهي الحذر مما يتوقع في ذلك من إيذاء النبيّ عليه الصلاة والسلام . والقاعدة المختارة : أن إيذاءه عليه الصلاة والسلام يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق . فورد النهي عما هو مظنة لأذى النبيّ عليه الصلاة والسلام ، سواء وجد هذا المعنى أوْ لا ، حماية للذريعة ، وحسماً للمادة . ثم لما كان هذا المنهيّ عنه - وهو رفع الصوت - منقسماً إلى ما يبلغ ذلك المبلغ أو لا ، ولا دليل يميز أحد القسمين عن الآخر ، لزم المكلف أن يكف عن ذلك مطلقاً ، وخوّف أن يقع فيما هو محبط للعمل ، وهو البالغ حد الإيذاء ، إذ لا دليل ظاهر يميزه . وإن كان ، فلا يتفق تمييزه في كثير من الأحيان ، وإلى التباس أحد القسمين بالآخر وقعت الإشارة بقوله : { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } . وإلا فلو كان الأمر على ما تعتقده المعتزلة ، لم يكن لقوله : { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } موقع ؛ إذ الأمر بين أن يكون رفع الصوت مؤذياً ، فيكون كفراً محبطاً قطعاً ، وبين أن يكون غير مؤذ ، فيكون كبيرة محبطة على رأيهم قطعاً . فعلى كلا حاليه ، الإحباط به محقق ، إذن فلا موقع لإدغام الكلام بعدم الشعور ، مع أن الشعور ثابت مطلقاً - والله أعلم . ثم قال : وهذا التقرير الذي ذكرته يدور على مقدمتين ، كلتاهما صحيحة : إحداهما : أن رفع الصوت من جنس ما يحصل به الإيذاء ، وهذا أمر يشهد به النقل والمشاهدة الآن ، حتى إن الشيخ ليتأذى برفع التلميذ صوته بين يديه . فكيف برتبة النبوة وما تستحقه من الإجلال والإعظام . المقدمة الأخرى : أن إيذاء النبيّ صلى الله عليه وسلم كفر . وهذا أمر ثابت قد نص عليه أئمتنا - يعني المالكية - وأفتوا بقتل من تعرض لذلك كفراً ، ولا تقبل توبته ، فما أتاه أعظم عند الله وأكبر ، والله الموفق . انتهى . ولا يخفى أن الإنصاف هو الوقوف مع ما أوضحه النص وأبانه ، فكل موضع نص فيه على الإحباط وجب قبوله بدون تأويل ، وامتنع القياس عليه ؛ لأنه مقام توعد وخسران ، ولا مجال للرأي في مثل ذلك . هذا ما أعتقده وأراه . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .