Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 100-100)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } حكم عام في نفي المساواة عند الله سبحانه وتعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال . وجيّدها . قصد به الترغيب في صالح العمل وحلال المال { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ } فإنّ العبرة بالجودة والرداءة ، دون القلّة والكثرة . فإن المحمود القليل خير من المذموم الكثير . والخطاب عامّ لكل معتبر - أي : ناظر بعين الاعتبار - ولذلك قال : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي : فاتقوه في تحرّي الخبيث وإنْ كثر . وآثروا الطيّب وإنْ قلَّ { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي : بمنازل القرب عنده تعالى المعدّ للطيّبين . تنبيهان الأول - قال الرازيّ : أعلم أنه تعالى لمّا زجر عن المعصية ورغّب في الطاعة بقوله : { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ … } [ المائدة : 98 ] الآية ثم بما بعدها أيضاً - أتبعه بنوعٍ آخر من الترغيب والترهيب بقوله : { قُل لاَّ يَسْتَوِي … } الآية . وذلك لأنّ الخبيث والطيب قسمان : أحدهما الذي يكون جسمانيّاً وهو ظاهر لكل أحد . والثاني : الذي يكون روحانيّاً . وأخبث الخبائث الروحانية : الجهل والمعصية . وأطيب الطيبات الروحانية : معرفة الله تعالى وطاعته . وذلك لأن الجسم الذي يلتصق به شيء من النجاسات يصير مستقذراً عند أرباب الطباع السليمة . فكذلك الأرواح الموصوفة بالجهل بالله والإعراض عن طاعته تصير مستقذرة عند الأرواح الكاملة المقدسة . وأما الأرواح العارفة بالله تعالى ، المواظبة على خدمته ، فإنها تصير مُشْرِقَةً بأنوار المعارف الإلهية ، مبتهجةً بالقرب من الأرواح المقدسة الطاهرة . وكما أنّ الخبيث والطيّب في عالم الجسمانيات لا يستويان ، فكذلك في عالم الروحانيات لا يستويان . بل المباينة بينهما في عالم الروحانيات أشدّ ؛ لأن مضرة خبث الخبيث الجسمانيّ شيء قليل ومنفعة طيبة مختصرة . وأمّا خبث الخبيث الروحانيّ فمضرّته عظيمة دائمة أبدية . وطيب الطيّب الروحانيّ فمنفعته عظيمة دائمة أبدية . وهو القرب من جوار ربّ العالمين ، والانخراط في زمرة الملائكة المقربين ، والمرافقة مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين . فكان هذا من أعظم وجوه الترغيب في الطاعة والتنفير عن المعصية . الثاني : قال بعض المفسّرين : من ثمرة الآية : أنه ينبغي إجلال الصالح وتمييزه على الطالح . وأنّ الحاكم إذا تحاكم إليه الكافر والمؤمن ، ميّز المؤمن في المجلس . انتهى .