Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 101-101)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ } أي : نبّيكم { عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ } أي : تظهر { لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } لما فيها من المشقة { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } أي : وإن تسألوا عن أشياء نزل القرآن بها مجملة ، فتطلبوا بيانها ، تبين لكم حينئذ لاحتياجكم إليها ، هذا وجه في الآية . وعليه فـ ( حين ) ظرف لـ ( تسئلوا ) . وثَمت وجه آخر : وهو جعل ( حين ) ظرفاً لـ ( تبد ) ، والمعنى : وإن تسألوا عنها . تبْدَ لكم حين ينزل القرآن . قال ابن القيّم : والمراد بـ ( حين النزول ) زمنه المتصل به ، لا الوقت المقارن للنزول . وكأنّ في هذا إذناً لهم في السؤل عن تفصيل المنزل ومعرفته بعد إنزاله . ففيه رفع لتوهم المنع من السؤال عن الأشياء مطلقاً . ثم قال : وثمت قول ثانٍ في قوله تعالى : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا … } إلخ ، وهو أنّه من باب التهديد والتحذير ، أي : ما سألتم عنها في وقت نزول الوحي جاءكم بيان ما سألتم عنه بما يَسُوءُكم : والمعنى : لا تتعرّضوا للسؤال عمّا يَسُوءُكم بيانه ، وإن تعرضتم له في زمن الوحي أبدي لكم . انتهى . وقال بعضهم : إنه تعالى ، بيّن أولا أنّ تلك الأشياء - التي سألوا عنها - إن أبديت لهم ساءتهم . ثم بيّن ثانياً أنهم إن سألوا عنها أُبْدِيَتْ لهم . فكان حاصل الكلام إن سألوا عنها أبديت لهم ، وإن أبديت لهم ساءتهم ، فيلزم من مجموع المقدمتين أنهم إن سألوا عنها ، ظهر لهم ما يَسُوءَهم ولا يسرّهم . قال العلامة أبو السعود : قوله تعالى : { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } صفة لـ ( أَشْيَاءَ ) داعيةٍ إلى الانتهاء عن السؤال عنها . وحيث كانت المساءة في هذه الشرطية معلقة بإبدائها ، لا بالسؤال عنها ، عقبت بِشَرْطية أخرى ناطقة باستلزام السؤال عنها لإبدائها الموجب للمحذور قطعاً . فقيل : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } . أي : تلك الأشياء الموجبة للمساءة بالوحي ، كما ينبئ عنه تقييد السؤال بحين التنزيل . والمراد بها : ما يشق عليهم ويغمّهم من التكاليف الصعبة التي لا يطيقون بها ، والأسرار الخفية التي يفتضحون بظهورها ، ونحو ذلك مما لا خير فيه . فكما أنّ السؤال عن الأمور الواقعة مستتبع لإبدائها ، كذلك السؤال عن تلك التكاليف مستتبع لإيجابها عليهم بطريق التشديد ، لإساءتهم الأدب واجترائهم على المسئلة والمراجعة ، وتجاوزهم عمّا يليق بشأنهم من الاستسلام لأمر الله عزّ وجلّ ، من غير بحثٍ فيه ولا تعرّض لكيفيته وكمّيته . أي : لا تكثروا مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمّا لا يعنيكم من نحو تكاليف شاقة عليكم - إن أفتاكم بها وكلفكم إياها حسبما أوحي إليه - لم تطيقوا بها ، ونحو بعض أمورٍ مستورة تكرهون بروزها . { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا } أي : عن تلك الأشياء حين لم ينزل فيها القرآن ولم يوجبها عليكم توسعةً عليكم . أو : عفا الله عن بيانها لئلا يسوءكم بيانها . فالجملة في موضع جرّ صفة أخرى لـ ( أَشْيَاءَ ) . أو المعنى : عفا الله عن مسائلكم السالفة ، وتجاوز عن عقوبتكم الأخروية بمسائلكم . فلا تعودوا إلى مثلها . فالجملة حينئذٍ مستأنفة مبينة لأن نهيهم عنها لم يكن لمجرّد صيانتهم عن المساءة . بل لأنها في نفسها معصية مستتبعة للمؤاخذة وقد عفا عنها . وفيه من حثّهم على الجِدّ في الانتهاء عنها ما لا يخفي { وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } اعتراض تذييليّ مقرّر لعفوه تعالى ، أي : مبالغ في مغفرة الذنوب . ولذا عفا عنكم ولم يؤاخذكم بما فرط منكم .