Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 105-105)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } أي : الزموا أن تصلحوها باتباع كتاب الله وسنة رسوله { لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ } أي : ممن قال { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } [ المائدة : 104 ] أو أخذ بشبهة . أو عاند في قول أو فعل { إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } أي : إلى الإيمان . وكأن المؤمنين كان يشتد عليهم بقاء الكفار في كفرهم وضلالهم . فقيل لهم : عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طريق الهدى . لا يضركم ضلال الضالين وجهل الجاهلين إذا كنتم مهتدين . كما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] . قال الزمخشريّ : وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم ، فهو مخاطب بهذه الآية { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ } بعد الموت { جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ } أي : يخبركم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : في الدنيا من أعمال الهداية والضلال . فهو وعد ووعيد للفريقين . وتنبيه على أن أحدا لا يؤاخذ بعمل غيره . تنبيه لا يستدل بالآية على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأن الظاهر من الآية أن ضلال الغير لا يضر ، وأن المطيع لربه لا يكون مؤاخذاً بذنوب العاصي . وإلا فمن تركهما مع القدرة عليهما ، فليس بمهتد . وإنما هو بعض الضلال الذي فصلت الآية بينهم وبينه . قال الحاكم : ولو استدل على وجوبهما بقوله تعالى : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } كان أولى ؛ لأنه يدخل في ذلك كل ما لزم من الواجبات . أي : كما فعل المهايميّ في تفسيره حيث قال : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } . أي الزموا أن تصلحوها باتباع الدلائل من كتاب الله وسنة رسوله . والعقليات المؤيدة بها ، ودعوة الإخوان إلى ذلك . بإقامة الحجج ودفع الشبه ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بما أمكن من القول والفعل . لا تقصروا في ذلك . إذ لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، بدعوتهم إلى ما أنزل الله وإلى الرسول وإقامة الحجج لهم ، ودفع الشبه عنهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، بما أمكن من القول والفعل ، ولا تقصروا في ذلك . إذ إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون ، من التقصير أو الإيفاء قولا وفعلا ، في حق أنفسكم أو غيركم . انتهى . ونقل الرازيّ عن عبد الله بن المبارك أنه قال : هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فإنه قال : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يعني : عليكم أهل دينكم ولا يضركم من ضل من الكفار . وهذا كقوله : { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] . يعني : أهل دينكم . فقوله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يعني : بأن يعظ بعضكم بعضاً ، ويرغب بعضكم بعضا في الخيرات وينفّره عن القبائح والسيئات . والذي يؤكد ذلك ما بينا أن قوله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } معناه : احفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي والإصرار على الذنوب . فكان ذلك أمرا بأن نحفظ أنفسنا . فإذا لم يكن ذلك الحفظ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كان ذلك واجباً . انتهى . وروى الإمام أحمد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه . أنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } . إلى آخر الآية . وإنكم تضعونها على غير موضعها . وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس ، إذا رأوا المنكر ، ولا يغيرونه ، يوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقابه " ورواه أصحاب السنن وابن حبان في صحيحه وغيرهم . وروى الترمذي عن أبي أمية الشعبانيّ . قال : أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت له : كيف تصنع بهذه الآية ؟ قال : أية آية ؟ قلت : قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } قال : أما والله ! لقد سألت عنها خبيراً . سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر . حتى إذا رأيت شحّاً مطاعاً وهوى متبعا ، ودنيا مؤثَرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ودع العوامّ . فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا ، يعملون مثل عملكم " . قال عبد الله بن المبارك : وزادني غير عتبة : " قيل : يا رسول الله ، أجر خمسين رجلا منا أو منهم ؟ قال : " لا ، بل أجر خمسين منكم " قال الترمذيّ : هذا حديث حسن غريب . وكذا رواه أبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم . وروى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أن ابن مسعود رضي الله عنه سأله رجل عن قول الله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } فقال : إن هذا ليس بزمانها . إنها اليوم مقبولة . ولكنه قد يوشك أن يأتي زمانها . تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا . أو قال : فلا يقبل منكم . فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل . ورواه أبو جعفر الرازيّ عن الربيع عن أبي العالية قال : كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسا . فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس . حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه . فقال رجل من جلساء عبد الله : ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر ؟ فقال آخر إلى جنبه : عليك بنفسك . فإن الله يقول : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ … } الآية . قال ، فسمعها ابن مسعود فقال : مه . لم يجيء تأويل هذه بعدُ . إن القرآن أنزل حيث أنزل . ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن . ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم بيسير . ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب ، ما ذكر من الحساب والجنة والنار . فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً ولم يذق بعضكم بأس بعض فأُمروا وانهَوْا . وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض فأمر نفسك . وعند ذلك جاء تأويل هذه الآية . أخرجه ابن جرير . وأخرج أيضاً أنه قيل لابن عمر : لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ، فإن الله قال : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } فقال ابن عمر : إنها ليست لي ولا لأصحابي ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا فليبلغ الشاهد الغائب " فكنا نحن الشهود وأنتم الغَيَب . ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا . إن قالوا لم يقبل منهم . وقد ضعف الرازيّ ما روي عن ابن مسعود وابن عمر مما سقناه . قال : لأن قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } خطاب عام ، وهو أيضاً خطاب مع الحاضرين . فكيف يخرج الحاضر ويخص الغائب ؟ انتهى . أقول : ليس مراد ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما ، إخراج الحاضرين عن الخطاب ، وأنه لم يعن بها إلا الغيب . وإنما مرادهما الردّ على مَنْ تأولها بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فأعلماه بأنه لا يسوغ الاستشهاد بها في ترك ذلك ، والاسترواح لظاهرها ، إلا في الزمن الذي بَيَّنَاه . وحاصله : أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان ما قُبِلا . فإن رُدَّا في مثل ذلك الزمن فليقرأ : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } . هذا مرادهما . والله أعلم .