Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 109-109)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَوْمَ } منصوب بـ ( اذْكُرُوا ) أو ( احَذَرُوا ) { يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } وذلك يوم القيامة ، وتخصيص الرسل بالذكر ليس لاختصاص الجمع بهم دون الأمم . كيف لا ؟ وذلك يوم مجموع له الناس ، بل لإبانة شرفهم وأصالتهم والإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بجمع غيرهم . بناءً على ظهور كونهم أتباعاً لهم { فَيَقُولُ } أي : للرسل { مَاذَآ أُجِبْتُمْ } أي : ما الذي أجابكم من أُرسلتم إليهم ؟ ففيه إشعار بخروجهم عن عهدة الرسالة . إذ لم يقل : هل بلّغتم رسالاتي ؟ وفي توجيه السؤال إليهم ، والعدول عن إسناد الجواب إلى قومهم بأن يقال : ماذا أجابوا - من الإنباء عن شدة الغضب الإلهيّ ما لا يخفى . وفي ( الصحيح ) في حديث الشفاعة : " إنّ ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله " . { قَالُواْ } من هيبته تعالى ، وتفويضاً للأمر إلى علم سلطانه وتأدّباً بليغاً في ذاك الموقف الجلاليّ { لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } أي : وَمَنْ عَلِمَ الخفيات ، لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة أممهم لهم . تنبيهات الأول : قال الرازيّ : اعلم أنّ عادة الله تعالى جارية في هذا الكتاب الكريم أنّه إذا ذكر أنواعاً كثيرة من الشرائع والتكاليف والأحكام ، أتبعها إمّا بالإلهيات ، وإمّا بشرح أحوال الأنبياء ، أو بشرح أحوال القيامة ، ليصير ذلك مؤكداً لما تقدم ذكره من التكاليف والشرائع . فلا جرم ، لمَّا ذكر - فيما تقدم - أنواعاً كثيرة من الشرائع ، أتبعها بوصف أحوال القيامة . الثاني : قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما معنى سؤالهم ؟ قلت : توبيخ قومهم . كما كان سؤال الموءودة توبيخاً للوائد . فإن قلت : كيف يقولون : لا علم لنا ، وقد علموا بما أجيبوا ؟ قلت : يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم ، فيكلون الأمر إلى علمه ، وإحاطته بما مُنُوا به منهم ، وكابدوا من سوء إجابتهم ، إظهاراً للتشكي واللجأ إلى ربهم في الانتقام منهم ، وذلك أعظم على الكفرة ، وأفتّ في أعضادهم ، وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم . إذ اجتمع توبيخ الله وتشكّي أنبيائه عليهم . ومثاله : أن ينكب بعض الخوارج على السلطان ، خاصة من خواصّه نكبةً ، قد عرفها السلطان واطلع على كنهها ، وعزم على الانتصار له منه ، فيجمع بينهما ويقول له : ما فعل لك هذا الخارجيّ ؟ ( وهو عالم بما فعل به ) يريد توبيخه وتبكيته ، فيقول له : أنت أعلم بما فعل بي ، تفويضاً للأمر إلى علم سلطانه ، واتكالاً عليه ، وإظهاراً للشكاية ، وتعظيماً لما حلّ به منه . انتهى . واستظهر الرازيّ : أن نفي العلم لهم على حقيقته عملاً بما تقرر من أن العلم غير الظن . قال : لأن الحاصل من حال الغير عن كل أحد إنما هو الظن لا العلم . وفي الحديث : نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض . فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه . فإنما أقطع له قطعة من النار " فالأنبياء قالوا : لا علم لنا ألبتة بأحوالهم . إنما الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظن . والظن كان معتبراً في الدنيا . وأما الآخرة فلا التفات فيها إلى الظن ؛ لأن الأحكام في الآخرة مبنية على حقائق الأشياء وبواطن الأمور . فلهذا السبب قالوا : لا علم لنا . ولم يذكروا ما معهم من الظن ؛ لأن الظن لا عبرة به في القيامة . والله أعلم . الثالث : دلت الآية على جواز إطلاق لفظ : ( العلاّم ) عليه . كما جاز إطلاق لفظ ( الخلاق ) عليه . وأما العلامة فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز إطلاقه في حقه . ولعل السبب ما فيه من لفظ التأنيث . أفاده الرازي . على أن المختار أن أسماءه تعالى توقيفية .