Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 110-110)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } شروع في بيان ما جرى بينه تعالى وبين واحد من الرسل المجموعين ، من المفاوضة ، على التفصيل . إثر بيان ما جرى بينه تعالى وبين الكل على وجه الإجمال ، لكون ذلك كالأنموذج لتفاصيل أحوال الباقين . وتخصيصُ شأن عيسى عليه السلام بالبيان ، تفصيلاً بين شؤون سائر الرسل عليهم السلام ، مع دلالتها على كمال هول ذلك اليوم ونهاية سوء حال المكذبين بالرسل - لما أن شأنه عليه السلام متعلق بكلا الفريقين من أهل الكتاب الذين نعيت عليهم في السورة الكريمة جناياتهم . فتفصيله أعظم عليهم وأجلب لحسرتهم وندامتهم ، وأدخل في صرفهم عن غيهم وعنادهم . أفاده أبو السعود . { ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ } أي : مِنّتي عليك { وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ } بما طهرها واصطفاها على نساء العالمين { إِذْ أَيَّدتُّكَ } أي : قويتك { بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } أي : بجبريل عليه السلام لتثبيت الحجة . أو بجعل روحك طاهرة عن العلائق الظلمانية . بحيث يعلم أنه ليس بواسطة البشر ، فيشهد ببراءتك وبراءة أمك . ومن ذلك التأييد قويت نفسك الناطقة . لذلك { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أي : في أضعف الأحوال وأقواها . بكلام واحد من غير أن يتفاوت في حين الطفولة وحين الكهولة . الذي هو وقت كمال العقل وبلوغ الأشُد . قال ابن كثير : أي : جعلتك نبيّاً داعياً إلى الله في صغرك وكبرك . فأنطقتك في المهد صغيراً . فشهدت ببراءة أمك من كل عيب . واعترفت لي بالعبودية . وأخبرتَ عن رسالتي إياك ودَعْوَتِك إلى عبادتي . ولهذا قال : { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أي : تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك . وضمن ( تكلم ) تدعو ؛ لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب . انتهى . { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ } أي الخط وظاهر العلم الذي يكتب { وَٱلْحِكْمَةَ } أي : الفهم وباطن العلم الذي لا يكتب ، بل يخص به أهله { وَٱلتَّوْرَاةَ } وهي المنزلة على موسى الكليم عليه السلام { وَٱلإِنْجِيلَ } وهو الذي أنزله عليه صلى الله عليه وسلم { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } أي : تقدر وتصور منه صورة مماثلة لهيئة الطير { بِإِذْنِي } أي : لك في ذلك { فَتَنفُخُ فِيهَا } أي : في تلك الهيئة المصورة { فَتَكُونُ } أي : فتصير تلك الهيئة { طَيْراً } لحصول الروح من نفختك فيها { بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } أي : الذي يولد أعمى مطموس البصر { وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ } أي : من القبور أحياء { بِإِذْنِيِ } فهذا مما فعل به من جرّ المنافع . ثم أشار إلى ما دفع عنه من المضارّ ، فقال سبحانه : { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ } أي : منعت اليهود الذين أرادوا بك السوء وسعوا في قتلك وصلبك ، فنجيتك منهم ورفعتك إليّ وطهرتك من دنسهم { إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي : المعجزات التي توجب انقيادهم لك لتعاليها عن قوى البشر فلا يتوهم فيها السحر { فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي : ما هذا الذي يرينا إلا سحر ظاهر . لطيفة إن قيل : إن السياق في تعديد نعمه تعالى على عيسى عليه السلام وقول الكفار في حقه ، إن هذا إلا سحر مبين ، ليس من النعم بحسب الظاهر . فما السر في ذكره ؟ فالجواب : إن من الأمثال المشهورة : إن كل ذي نعمة محسود . فطعن اليهود فيه بهذا الكلام يدل على أن نعم الله تعالى في حقه كانت عظيمة . فحسن ذكره عند تعديد النعم ، للوجه الذي ذكرناه . أفاده الرازيّ . ولما بين تعالى النعم اللازمة ، تَأَثَّرها بنعمه عليه المتعدية ، فقال سبحانه : { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي … } .