Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 118-118)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . قال الحافظ ابن كثير : هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عزّ وجلّ . فإنه الفعال لما يشاء . { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] . ويتضمن التبرؤ من النصارى الذين كذبوا على الله ورسوله . وجعلوا لله ندّاً وصاحبة وولداً . تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً . انتهى . أي : إن تعذبهم فإنك تعذب عبادك ، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بملكه . وفيه تنبيه على أنهم استحقوا ذلك لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك . إن تغفر لهم فلا عجز ولا استقباح ؛ لأنك القادر القويّ على الثواب والعقاب . الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب . فإن المغفرة مستحسنة لكل مجرم . فإن عذبت فعدل ، وإن غفرت ففضل . وعدم غفران الشرك مقتضى الوعيد . فلا امتناع فيه لذاته ، ليمتنع الترديد والتعليق بـ ( إِن ) . أفاده البيضاويّ . يعني : أن المغفرة ، وإن كانت قطعية الانتفاء بحسب الوجود ، لكنها لما كانت بحسب العقل ، تحتمل الوقوع واللاوقوع ، استعمل فيها كلمة ( إن ) فسقط ما يتوهم أن تعذيبهم ، مع أنه قطعيّ الوجود , كيف استعمل فيه ( إن ) وعدم وقوع العفو بحكم النص والإجماع . وفي كتب الكلام : إن غفرانك الشرك جائز عقلا عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة ؛ لأن العقاب حق الله على المذنب , وليس في إسقاطه مضرة . وبالجملة : فليس قوله تعالى : { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } تعريضاً بسؤاله العفو عنهم . وإنما هو لإظهار قدرته على ما يريد , وعلى مقتضى حكمه وحكمته . ولذا قال : إنك أنت العزيز الحكيم , تنبيهاً على أنه لا امتناع لأحد عن عزته , فلا اعتراض في حكمه وحكمته . قال الرازيّ : قال قوم : لو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم , أشعر ذلك بكونه شفيعاً لهم . فلما قال : { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } , دل ذلك على أن غرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى , وترك التعرض لهذا الباب من جميع الوجوه . وفي ( العناية ) ما ملخصه : أن ما ظنه بعضهم من أن مقتضى الظاهر " الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " بدل ( العزيز الحكيم ) كما وقع في مصحف عبد الله بن مسعود - فقد غاب عنه سر المقام ؛ لأنه ظن تعلقه بالشرط الثاني فقط , لكونه جوابه ، وليس كما توهم . بل هو متعلق بهما . ومن له الفعل والترك عزيز حكيم . فهذا أنسب وأدق وأليق بالمقام , أو هو متعلق بالثاني , وإنه احتراس ؛ لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز ينافي القدرة , أو لإهمال ينافي الحكمة . فبيّن أن ثوابه وعقابه مع القدرة التامة والحكمة البالغة . تنبيه قال الحافظ ابن كثير : هذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب . وقد ورد في الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة إلى الصباح يرددها . روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال : " صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة . فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } فلما أصبح قلت : يا رسول ، لم تزل تقرأ هذه الآية حتى أصبحت . تركع بها وتسجد بها ؟ قال : " إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي ؛ فأعطانيها ، وهي نائلة , إن شاء الله , لمن لا يشرك بالله شيئاً " وأخرجه النسائي أيضاً . وروى الإمام أحمد أيضاً عن أبي ذر قال : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء . فصلى بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون . فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله . فلما رأى القومَ قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلى . فجئت فقمت خلفه فأومأ إليّ بيمينه , فقمت عن يمينه . ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه , فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله . فقمنا ثلاثتنا يصلي كل واحد منا بنفسه , ونتلو من القرآن ما شاء الله أن نتلو . وقام بآية من القرآن يرددها , حتى صلى الغداة . فلما أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود : أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة ؟ فقال ابن مسعود : لا أسأله عن شيء حتى يُحْدث إليّ , فقلت : بأبي وأمي ! قمت بآية من القرآن ومعك القرآن . لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه . قال : " دعوت لأمتي " . قلت : فماذا أجبت ؟ أو ماذا رد عليك ؟ قال : " أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة , تركوا الصلاة " . قلت : أفلا أبشر الناس , قال : " بلى " . فانطلقت مُعْنِقاً قريباً من قذفةٍ بحجر . فقال عمر : يا رسول الله ، إنك إن تبعث بهذا نكلوا عن العبادة . فناداه : " أن ارجع " . فرجع " . وتلك الآية { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . وروى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجلّ في إبراهيم : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي … } [ إبراهيم : 36 ] . وقول عيسى : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } فرفع يديه وقال : " اللهم ! أمتي أمتي " . وبكى . فقال الله تعالى : يا جبريل ، اذهب إلى محمد ، وربك أعلم , فاسأله : ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال , وهو أعلم . فقال الله : يا جبريل ، اذهب إلى محمد فقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك " . ثم ختم تعالى حكاية ما حكي مما يقع يوم يجمع الله الرسل , عليهم الصلاة والسلام , مع الإشارة إلى نتيجة ذلك ومآله بقوله تعالى : { قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ … } .