Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 14-14)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ } بعبادة الله وحده ، وألا يشركوا به شيئاً ، وحفظ شرعة عيسى عليه السلام . وإنما نسب تسميتهم نصارى إلى أنفسهم - دون أن يقال ( ومن النصارى ) - إيذاناً بأنهم في قولهم : { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ، والصف : 14 ] بمعزلٍ من الصدق . وإنما هو تقوّلٌ محض منهم ، وليسوا من نصرة الله تعالى في شيء . أو إظهاراً لكمال سوء صنيعهم ببيان التناقض بين أقوالهم وأفعالهم ، فإن ادعاءهم لنصرته تعالى يستدعي ثباتهم على طاعته تعالى ومراعاة ميثاقه . أفاده أبو السعود . قال الناصر في ( الانتصاف ) : وبقيت نكتة في تخصيص هذا الموضع بإسناد النصرانية إلى دعواهم . ولم يتفق ذلك في غيره ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [ المائدة : 18 ] . فالوجه في ذلك - والله أعلم - أنه لما كان المقصود في هذه الآية ذمهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم في نصرة الله تعالى ، نَاسَبَ ذلك أن يصدر الكلام بما يدل على أنهم لم ينصروا الله ، ولم يفوا بما واثقوا عليه من النصرة . وما كان حاصل أمرهم إلا التفوه بدعوى النصرة وقولها دون فعلها . والله أعلم . قال الشهاب الخفاجيّ : الموجود في كتب اللغة والتاريخ أن النصارى نُسِبت إلى بلدة ( ناصرة ) أي : التي حُبل فيها المسيح وتربى فيها ، ولذلك كان يدعى عليه السلام ( ناصريّاً ) . ثم قال : فلو قيل في الآية : إنهم على دين النصرانية وليسوا عليها لعدم عملهم بموجبها ومخالفتهم لمَا في الإنجيل من التبشير بنبّينا صلى الله عليه وسلم لكان أقرب من وجه التسمية الذي ذكروه . { فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا } أي : ألقينا { بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } أي : يتعادون ويتباغضون إلى قيام الساعة حسبما تقتضيه أهواؤهم المختلفة ، وآراؤهم الزائغة المؤدية إلى التفرّق فرقاً متباينة ، يلعن بعضها بعضاً ، ويكفّر بعضها بعضاً { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ } يخبرهم الله في الآخرة { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } من المخالفة وكتمان الحق والعداوة والبغضاء ، ونسيان الحظ الوافر مما ذكّروا به . وهذا وعيد شديد بالجزاء والعذاب . لطيفة تطرف البقاعيّ - رحمه الله تعالى - في ( تفسيره ) هنا إلى ذكر نقباء بني إسرائيل بأسمائهم . وأن عدتهم طابقت عدة نقباء النصارى - وهم الحواريون - كما طابقت عدة نقباء الأنصار ليلة العقبة الأخيرة ، حين بايع النبيّ صلى الله عليه وسلم الأنصار على الحرب ، وأن يمنعوه إذا وصل إليهم ، وقال لهم : أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباًَ - كما اختار موسى من قومه - فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً : تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس . وذكر البقاعي : أن بعث النقباء من بني إسرائيل كان مرتين : الأول لما كلّم تعالى موسى في برية سيناء في اليوم الأول من الشهر الثاني من السنة الثانية لخروجهم من أرض مصر . وقد فصلت في الفصل الأول من سفر ( العدد ) . والمرة الثانية : بعثوا لجسّ أرض كنعان . وفصلت أيضاً في الفصل الثالث عشر من سفر ( العدد ) ثم ذكر البقاعيّ : أن نقباء اليهود في جسّ الأرض لم يوف منهم إلا يوشع بن نون وكالب بن يفنا . وأما نقباء النصارى ، فخان منهم واحد - وهو يهوذا - كما مضى عند قوله تعالى : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ } [ النساء : 157 ] . وأما نقباء الأنصار فكلهم وَفَى وبرّ بتوفيق الله تعالى . وقد اقتصّ البقاعي أسماء نقباء الفرق الثلاث ، ولمعة من نَبَئِهم . فانظره ، والله أعلم . ثم خاطب تعالى الفريقين من أهل الكتاب إثْرَ تشديد النكير عليهم بتحريف كتبهم ونبذهم الميثاق , ودعاهم إلى الحنيفية حتى يكونوا على نورٍ من ربهم . فقال تعالى : { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ … } .